شَرَفُ الاتِّزان
في
تخطيِّ المكان والزمان
فِكرةُ الحُبِّ جَذْبَةٌ مَعْنَوِيَّهْ=مَلَكَتْني قولاً وفعِلاً وَنِيَّهْ
إِنني أَعشَقُ المحبَّةَ طفلاً=هو رَمْزُ البراءةِ العفويَّهْ
وخِضَمّاً أمواجُهُ هي تفعيلاتُ=أوزانِ أبحري الشِّعْرِيَّهْ
وربيعاً مخضوضراً سَكِرَ الحسنُ=بهِ أَلفَ سَكْرةٍ صُوْفيَّهْ
وسماءً تَأَلَّقَتْ بالنجومِ=الزُّهرِ والبدرِ والرؤى اليُوْسُفيَّهْ
وبساتينَ تستمِدُّ جناها=مِنْ جهودِ العزائمِ القَرَوِيِّهْ
ووجوداً أَعدُّ فيه البرايا=نَغَماتٍ في الروحِ مُوسيقيَّه
إنَّ للحُبِّ في حياتي حياةً=تتخطى امتدادَ كُلِّ منيَّهْ
إِنَّما الحُبُّ حَقُّ معرفةٍ ما=اكتَنَفَتْها مجاهِلٌ وَهْميَّهْ
إنَّما الحبُّ صِدقُ عاطفةٍ ما=دَنَّسَتْها مَنازِعٌ شَهَوِيَّهْ
لا أرى الحُبَّ غيرَ وَعْيٍ حنونٍ=كامنٍ في ذواتنا الفِطريَّهْ
* * *
صُبَّ لي فرحةَ الحياةِ لِأنسى=وَجَعَ الموتِ في سِنِيَّ الفَتِيَّهْ
فأنا راحِلٌ بقلبيَ عنّي=إن تَبَقَّى بي ما يَدُلُّ عَلَيَّهْ
راكباً هِمَّةَ القضاءِ الإلهيِّ=إلى رحمةِ الإله مَطِيَّهْ
أَوَّلُ الخلقِ خاتَمُ الرُّسْلِ حاوي=العلمِ آسي الدنيا سراجُ البَرِيَّهْ
النبيُّ النبيُّ مُذْ كان بين=الماءِ والطّينِ آدمُ البشريَّهْ
أنتَ أَمْرُ اللهِ الذي كَرَّمَ الناسَ=بفضلِ الرسالةِ الكُلِّيَّهْ
أنتَ لُغْزُ الكونِ الذي وَقَفَتْ=عندَ مُعَمَّاهُ حِدَّتي الذِّهْنِيَّهْ
أنتَ نهجُ اللهِ المؤدِّي إِليهِ=وانجذابُ القلوبِ للنَّهْجِيَّهْ
أنتَ وُدُّ الرحمنِ في كُلِّ رُوحٍ=وابتهاجُ الأرواحِ في الوُدِّيَّهْ
أنتَ مَجْدُ العُلى وشوقُ أخي العقلِ=إليهِ والقُوَّةُ العَقْلِيَّهْ
أنتَ سِرُّ الوجودِ لو عَرَفَ الناسُ=وسِرُّ العرفانِ للسِّرِّيَّهْ
أَنْتَ حَجِّي وأُسوتي وحبيبي=وطبيبي ونخوتي العَرَبيَّهْ
* * *
قد سَئِمْتُ الجُمودَ في حَيَواتِ=الناسِ حولي وخِفْتُ عَدوى خَفِيَّهْ
واشمَأزَّتْ نفسي مِنَ العَصَبِيَّاتِ=بشتَّى أشكالِها المَرَضِيَّهْ
فاعتزلتُ الدنيا بروحي فآنَسْتُ=حناناً بهاإلى الحُرِّيّهْ
فَعَشِقْتُ الحياةَ حُبّاً صفاءً=هَيَماناً تجدُّداً أَرْيحيَّهْ
* * *
مَرَّ عشرونَ حِجّةً وثمانٍ=سَتَرَ اللهُ شيبتي في البَقِيَّهْ
يا لحزني على شبابٍ تولَّى=غُصَصاً في سريرتي مَطْوِيَّهْ
إنَّ طَوْرَ الشبابِ عنديَ طُوْرٌ=لي بهِ ألفُ صِعقةٍ مُوْسويَّهْ
مِتُّ سبعينَ موتةً ثمَّ أحياني=بعدَ المماتِ ربُّ البَرِيَّهْ
جُنَّ دَهْرٌ كأنَّ فيما أصابَ=القلبَ منهُ ضَرْباً مِنَ العَبَثِيَّهْ
جَسَدي خائِرُ القُوى مُنْهَكٌ مِنْ=حَمْلِ أعباءِ قُوْتِهِ اليَوْميَّهْ
لقمةُ العيشِ مَزَّقَتْ مهجتي و=التَقَمَتْ أُمْنياتِها اليونُسيَّهْ
لقمةُ العيش ضَيَّعَتْ لِيَ أحلامَ=حياةِ الشبيبةِ الوَرْدِيَّهْ
أَمِنَ العدلِ أنْ أُسَرْبَلَ بالذُّلِّ=ومثلي ذو العزةِ الهاشميَّهْ
مِحَنُ الدّهرِ باختلافِ مضاها=قبضاتٌ على فؤادي قَوِيّهْ
قِطَعَ الليلِ بعضُ هَمِّيَ والأَنجُمُ=بعضٌ مِنْ أَدمعي اللؤلؤيَّهْ
عفَوكَ اللهُ عن ذنوبي التي قد=أَوْقَعَتْني في شَرِّ تلكَ البَلِيَّهْ
مَسَّني الضُّرُّ يا بديعَ وجودي=ولَكَ الأمرُ كلُّهُ والمَشِيَّهْ
* * *
جَرَّعتني الدنيا المرارةَ عيشاً=إِنَّ حسبي ولايتي العَلَوِيَّهْ
غيرُ مُسْتَيْقِنٍ بخيبَةِ عبدٍ=كانَ فيها أبو تُرابٍ وَلِيَّهْ
يا إِمامي وسِرُّ معناكَ مكتوبٌ=حروفاً في الروحِ نُورانيَّهْ
إِنَّ ذكراكَ في جَناني جِنانٌ=تزدهي في رياضِها السُّنْدُسِيَّهْ
كُلُّ حَرْفٍ مِمّا تركْتَ لنا تَرْجَمَةٌ=للكتابِ تَطْبِيْقِيَّهْ
وصراطٌ يهدي لخيرِ الحياتينِ=ابتغاءَ الحقيقَةِ الأَزَليَّهْ
فأعنِّي وَأَلْقِ في الرُّوحِ رُوحاً=منكَ وَهَّاجةَ اليقينِ مُضِيَّهْ
فَلَعَلِّي أسيرُ شطْرَ العالي=ولَعَلِّي أجتازُ كُلَّ دَنِيَّه
وأرى غيرَ مارواهُ لنا التاريخُ=عَنْ كربلاءَ جُغرافيَّهْ
وأرى في الحسينِ عِزَّ شموخً=في جبينِ المدى وليس ضَحِيَّهْ
وأرى في عقيلةِ الطَّالبيِّيْنَ=أئتلاقاً يُعانِقُ الأَبَدِيَّهْ
إنَّ سَبْري أغوارَ أسرارِ أنوارِ=مقاماتِ آلِ طه الزكيَّهْ
كادَ يُفْتِي بأنَّ أرواحَ هؤلاءِ=أَرقى مِنْ كُلِّ جِسْمانيَّه
* * *
اسقني الخمرةَ المعتَّقَةَ الصِّرفَ=فإني طريدُ كُلِّ رَزِيَّهْ
اسقنيها صَحْواً فماهي إِلّا=حِكمةٌ في العقولِ سُقْراطِيَّهْ
اسقنيها وَجْداً فماهي إِلّا=يقظةٌ في القلوبِ وِجدانيَّهْ
اسقنيها عِلْماً فما هي إِلا=لَفتةٌ في النفوسِ تَعليميَّهْ
اسقنيها فَضْلاً فما هي إِلّا=قُرَّةٌ في العُيونِ رحمانيّهْ
اسقِنِيْها شفَّافةً تَصِلُ الرُّوحَ=بكونِ العوالِمِ القُدْسِيَّهْ
وَتَمُدُّ الذكرى شُعاعاً إلى=النفخةِ في تُرْبَةِ المِزاجِ السَّوِيَّهْ
وَتُريني موتَ المكانِ بحدِّي=وانْشِطارَ الزَّمانِ عَنْ جانِبَيَّهْ
وتُريني أنَّ السعادةَ في الأصلِ=اتِّصالٌ بالحَضْرَةِ العُلْوِيَّهْ
* * *
إِنني مُوْلَعٌ بقرآنِ طه=وأرى فيهِ فَصْلَ كُلِّ قَضِيَّهْ
قَصَصُ الأنبياءِ فيهِ تعاليمٌ= لِأهلِ العقولِ رَبّانيَّهْ
ما رأَتْ أعينُ السَّذاجةِ إلا=كثرةً في الوجودِ شَكْلّانِيَّهْ
فَلَوَ انَّ امرِأً تَتَبَّعَها ما=جَهِلَ الوَحْدَةَ الهُيُولانِيَّه
أنا أدري أنَّ اقتناعَكَ لا يعدو=اكتشافَ الحقائقِ الجَوْهريَّهْ
أنا أدري أنَّ الحقائقَ ليستْ=ماترى العينُ ... إِنَّها حِسِّيَّهْ
لا وليستْ ما ترتأي النفسُ إِذْ ما=بَرِحَتْ مَجْمَعَ القُوى الحَيَوِيَّهْ
لا وليستْ خيالَ شعرٍ جموحاً=صَوَّرتْهُ لِشَاعرٍ شاعِرِيَّهْ
لا وليستْ تفكيرَ فلسفةٍ=أبْدَعَهُ ذو تأمُّلاتٍ ذكيَّهْ
لا وليستْ رأيَ اعتقادٍ جَلاهُ=باسمِ دينِ الرَّحمن أَهْلُ حَمِيَّهْ
إِنَّ أمداءَها لَأَبْعَدُ مِمّا=يتناهى إِلى الحجى والرَّويَّهْ
هِيَ عندي كجنةِ اللهِ في قلبِ=عظيمٍ .. قريبةٌ وقَصِيَّهْ
جَحَدَتْها الأكدارُ في كُلِّ لَاهٍ=ووعاها أهلُ القلوبِ النَّقيَّهْ
تتخفَّى وراءَ أحرفِ وَحْيِ اللهِ=فاعْجَبْ لِأحرفٍ أبجديَّهْ
هي مرقاةُ كلِّ قلبٍ إلى اللهِ=وَمَنْ لي بمستطيعٍ رُقِيَّهْ
إِنني ما رأيتُ إِشكالَ فَهْمٍ=لنصوصَ الشريعةِ النَّبَوِيَّهْ
بَلْ لِكَيْفيَّةِ التَّعَمُّقِ في باطنِ=تلكَ الظواهرِ السَّطحيَّهْ
حَسْبُكَ اللهُ هادياً يا أخا القلبِ= وحَسْبُ الهدى إليكَ هَدِيَّهْ
* * *
ليسَ شِعري وَزْناً فَحَسْبُ ولكنْ=نَزْعَةٌ في الصميمِ إِنسانِيَّهْ
هو صوتُ الحياةِ في مَسْمَعِ الدهرِ=ولايسمعُ الأَنامُ دَوِيَّهْ
هوصَمْتُ التسبيحِ في زكريّا=مَجَّدَ اللهَ بُكْرةً وعشِيَّهْ
هو سِحْرُ البيانِ حيثُ المعاني=دونهنَّ المعارفُ الكَسْبِيَّهْ
والمباني لَهُنَّ إِحكامُ مَجْرى=أَنْجُمِ اللهِ في السماءِ العَلِيَّهْ
يعلَمُ الشِّعرُ أنَّ آيتَهُ الكبرى=تجلّي قريحتي العبقريّهْ
* * *
ياإلهي وأنتَ مِلءُ انتباهي=وجيوشُ الأحزانِ يَعْقُوبيَّهْ
وَعَلَيَّ الزّمانُ مُتَّكِئٌ وَ=الأرضُ تحتي شديدةُ الجاذبيّهْ
واصطباري الجميلُ ينفُرُ مِنْ قُبْحِ=بلاءٍ أخلاقُهُ بَرْبَرِيَّهْ
وسكوتي يشكو وقلبيَ يبكي=ويُناجيكَ بالدموعِ السَّخيَّهْ
فاعْفُ واغْفِرْ وَتُبْ وَهَبْ وَتَفَضَّلْ=وَتَقَبَّلْ قصيدتي اليائيَّهْ
14/12/1429 هـ
12/12/2008م
الشاعر سام يوسف صالح =الدليبات