إحياء الجمجمة
حدثنا العباس بن الفضل، عن موسى بن عطية الانصاري، قال: حدثني حسان بن أحمد الازرق، عن أبي الأحوص، عن أبيه،
عن عمار الساباطي، قال: قدم أمير المؤمنين عليه السلام المدائن فنزل بايوان كسرى، وكان معه دلف [ ابن ] منجم كسرى،
فلما صلى الزوال قام [ و ] قال لدلف: قم معي. وكان معه جماعة من [ أهل ] ساباط (1) فما زال يطوف في مساكن كسرى ويقول لدلف:
كان لكسرى [ في ] هذا المكان كذا وكذا، فيقول دلف: هو والله كذلك.
فما زال على ذلك حتى طاف المواضع بجميع من كانوا معه ودلف يقول: يا سيدي كأنك وضعت [ هذه ] الاشياء في هذه الامكنة ! !
ثم نظر صلوات الله عليه إلى جمجة نخرة. فقال لبعض أصحابه: خذ هذه الجمجمة، وكانت مطروحة، وجاء عليه السلام إلى الايوان وجلس فيه،
ودعا بطست، وصب فيه ماء، فقال له: دع هذه الجمجمة في الطست، ثم قال: أقسمت عليك يا جمجمة أخبريني من أنا ؟ ومن أنت ؟
فنطقت الجمجمة بلسان فصيح فقالت: أما أنت فأمير المؤمنين، وسيد الوصيين، وإمام المتقين في الظاهر والباطن وأعظم من أن توصف،
وأما أنا فعبد الله وابن أمة الله كسرى أنو شيروان .
فانصرف القوم الذين كانوا معه من أهل ساباط إلى أهاليهم وأخبروهم بما كان وبما سمعوه من الجمجمة:
فاضطربوا واختلفوا في معنى أمير المؤمنين عليه السلام فحضروه فقال بعضهم: قد أفسد هؤلاء قلوبنا بما أخبرونا عنك.
وقال بعضهم فيك مثل ما قال عبد الله بن سبأ وأصحابه، ومثل ماقاله النصارى في المسيح، فان تركتهم على هذا كفروا الناس.
فلما سمع ذلك منهم قال: ما تحبون أن أصنع بهم ؟ قالوا: تحرقهم بالنار كما حرقت عبد الله بن سبأ وأصحابه.
فأحضرهم وقال: ما حملكم على ما قلتم ؟ قالوا: سمعنا كلام الجمجمة النخرة ومخاطبتها إياك، ولايجوز ذلك إلا لله تعالى،
فمن ذلك قلنا ما قلنا. فقال عليه السلام: ارجعوا عن كلامكم هذا، وتوبوا إلى الله. فقالوا: ماكنا نرجع عن قولنا، فاصنع بنا ما أنت صانع.
فأمر عليه السلام أن تضرم لهم النار، فحرقهم، فلما احترقوا، قال: اسحقوهم وذروهم في الريح، فسحقوهم وذروهم في الريح.
فلما كان من اليوم الثالث من إحراقهم دخل إليه أهل ساباط وقالوا: الله الله في دين محمد،
إن الذين أحرقتهم بالنار قد رجعوا إلى منازلهم أحسن ما كانوا ! فقال عليه السلام:
أليس قد أحرقتهم بالنار، وسحقتموهم وذريتموهم في الريح ؟ قالوا: بلى. قال عليه السلام: أحرقتهم والله أحياهم(2).
___________________________
(1)ساباط: مدينة قرب المدائن بناها بلاش بن فيروز بن يزجرد، وتسمى ساباط كسرى. (مراصد الاطلاع: 2 / 680، والكامل في التاريخ: 1 / 411) .
(2) كتاب نوادر المعجزات في مناقب الأئمة الهداة ،أبو جعفر محمد بن جرير بن رستم الطبري الآملي، الصفحتان 21و22.
" دمتم بالمحبّة على صراط اليقين"