موقع العقيدة العلوية النصيرية
رسالة شهاب الدين بن جهبل الشافعي في نفي الجهة1 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك
شكرا رسالة شهاب الدين بن جهبل الشافعي في نفي الجهة1 829894
ادارة المنتدي رسالة شهاب الدين بن جهبل الشافعي في نفي الجهة1 103798
موقع العقيدة العلوية النصيرية
رسالة شهاب الدين بن جهبل الشافعي في نفي الجهة1 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك
شكرا رسالة شهاب الدين بن جهبل الشافعي في نفي الجهة1 829894
ادارة المنتدي رسالة شهاب الدين بن جهبل الشافعي في نفي الجهة1 103798
موقع العقيدة العلوية النصيرية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


من وإلى كل العلويين ...علماؤنا وأعلامنا الأفاضل...تعريفٌ بطائفتنا العلوية الكريمة...وردٌّ عل المرتدين
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 رسالة شهاب الدين بن جهبل الشافعي في نفي الجهة1

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
طيارة رشد
مشرف المنتديات الأسلامية
مشرف المنتديات الأسلامية



تاريخ التسجيل : 22/12/2010
العمر : 56
تاريخ الميلاد : 26/06/1967
الجنس : ذكر عدد المساهمات : 201
نقاط : 361
السٌّمعَة : 14
الهوايات : المطالعة
الدولة : سوريا

رسالة شهاب الدين بن جهبل الشافعي في نفي الجهة1 Empty
مُساهمةموضوع: رسالة شهاب الدين بن جهبل الشافعي في نفي الجهة1   رسالة شهاب الدين بن جهبل الشافعي في نفي الجهة1 I_icon_minitimeالإثنين مارس 14, 2011 3:46 am

لأهمية هذا الموضوع لأنه جاء في سياق الرد على ابن تيمية وهو من معاصريه أحببت وضعها كاملة وهي على أربعة أقسام متتابعة لم أستطع إنزالها كاملة
القسم الأول من الرسالة......
رسالة ابن جهبل في نفي الجهة






بسم الله الرحمن الرحيم


مؤلف الرسالة: الشيخ الإمام الفاضل مفتي المسلمين شهاب الدين أبو العباس احمد بن محيي الدين يحيى بن تاج الدين بن اسماعيل بن طاهر بن نصر الله بن جهبل الحلبي الاصل ثم الدمشقي الشافعي، كان من أعيان الفقهاء، ولد سنة سبعين وستمائة واشتغل بالعلم ولزم المشايخ ولازم الشيخ الصدر بن الوكيل، ودّرس بالصلاحية بالقدس، ثم تركها وتحول إلى دمشق فباشر مشيخة دار الحديث الظاهرية مدة، ثم ولي مشيخة البادرائية فترك الظاهرية وأقام بتدريس البادرائية إلى أن مات، ولم يأخذ معلوماً من واحدة منهما، توفي يوم الخميس بعد العصر تاسع جمادى الآخرة وصلي عليه بعد الصلاة ودفن بالصوفية، وكانت جنازته حافلة.
هذه الترجمة من البداية والنهاية لابن كثير. أهمية الرسالة: تتلخص أهمية الرسالة بأنها من معاصر لابن تيميه الحراني هذا أولاً ، وثانياً أن هذا المعاصر قد اتفق على فضله وعلمه من محبي ابن تيميه قبل غيرهم . مصدر الرسالة:طبقات الشافعية الكبرى، تاج الدين السبكي، تحقيق: محمود محمد الطناحي و عبدالفتاح محمد الحلو، ج9، ط1، مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه.

نص الرسالة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله العظيم شأنه، القوي سلطانه، القاهر ملكوته، الباهر جبروته، الغني عن كل شيء وكل شيء مفتقر إليه، فلامعول لشيء من الكائنات إلا عليه،. أرسل محمد صلى عليه وسلم بالمحجة البيضاء، والملة الزهراء، فأتى بأوضح البراهين، ونور محجة السالكين، ووصف ربه تعالى بصفات الجلال، ونفى عنه ما لايليق بالكبرياء والكمال ، فتعالى الله الكبير المتعال، عما يقوله أهل الغي والضلال، لايحمله العرش بل العرش وحملته محمولون بلطيف قدرته، مقهورون في قبضته، أحاط بكل شيء علماً، وأحصى كل شيء عددا، متطلع على هواجس الضمائر، وحركات الخواطر، فسبحانه ما أعظم شأنه، وأعز سلطانه، ( يسأله من في السموات والأرض) لافتقارهم إليه، (كل يوم هو في شأن) لاقتداره عليه . والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم أنبيائه، ومبلغ أنبائه، وعلى آله وصحبه وسلم
أما بعد، فالذي دعا إلى تسطير هذه النبذه، ما وقع في هذه المدة، مما علقه بعضهم في إثبات الجهة واغتر بها من لم يرسخ له في التعليم قدم، ولم يتعلق بأذيال المعرفة ولا كبحه لجام الفهم، ولا استبصر بنور الحكمة، فأحببت أن أذكرعقيدة أهل السنة والجماعة، ثم أبين فساد ما ذكره، مع أنه لم يدَّعِ دعوة إلا نقضها، ولا أطد قاعدةً إلا هدمها، ثم استدل على عقيدة أهل السنة وما يتعلق بذلك، وها أنا أذكر قبل ذلك مقدمةً يستضاء بها في هذا المكان، فأقول، وبالله المستعان :

مذهب الحشوية في إثبات الجهة مذهب واهٍ ساقط، يظهر فساده من مجرد تصوره، حتى قالت الائمة: لولا اغترار العامة بهم لما صُرف إليهم عنان الفكر، ولا قطرالقلم في الرد عليهم، وهم فريقان: فريق لا يتحاشى في إظهار الحشو ( ويحسبون أنهم على شيء إلا إنهم هم الكاذبون) وفريق يتستر بمذهب السلف لسحت يأكله، أو حطام يأخذه أو هوىً يجمع عليه الطغام الجهلة، والرعاع السفلة، لعلمه أن إبليس ليس له داب إلا خذلان أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ولذلك لا يجتمع قلوب العامة إلا على بدعة وضلالة، يهدم بها الدين، ويفسد بها اليقين، فلم يسمع في التواريخ أنه خزاه الله جمع غير خوارج أو رافضة أو ملاحدة أو قرامطة، وأما السنة والجماعة فلا تجتمع إلا على كتاب الله المبين، وحبله المتين، وفي هذا الفريق من يكذب على السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، ويزعم أنهم يقولون بمقالته، ولو أنفق ملء الأرض ذهباً ما استطاع أن يروج عليهم كلمةً تُصدق دعواه، وتستر هذا الفريق بالسلف حفاظاً لرياسته، والحطام الذي يجتليه ( يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم) وهؤلاء يتحلون بالرياء والتقشف، فيجعلون الروث مُفضَّضاً، والكنيف مُبيَّضا، ويُزهَّدون في الذَّرَّة ليُحصَّلوا الدُّرَّة.
أظهروا للناس نُسكاً وعلى المنقوش داروا ومذهب السلف إنما هو التوحيد والتنزيه دون التجسيم والتشبيه، والمبتدعة تزعم أنها على مذهب السلف.
وكل يدعون وصال ليلى وليلى لا تقر لهم بذاك، اوكيف يُعتقد في السلف أنهم يعتقدون التشبيه، أو يسكنون عند ظهور أهل البدع، وقد قال الله: (ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون)، وقال الله تعالى: (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أُتوا الكتاب لَتُبَيَّنُنًّه للناس ولاتكتمونه)، وقال الله تعالى: (لِتُبيَّن للناس ما نَزِّل إليهم).
ولقد كانت الصحابة، رضي الله عنهم، لا يخوضون في شيء من هذه الأشياء، لعلمهم أن حفظ الدهماء أهم من الأمور، مع أن سيوف حججهم مرهفة، ورماحها مشحوذة، ولذلك لما نبغت الخوارج واثبهم حبرالأمة وعالمها وابنا عم رسولها، أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وعبدالله بن عباس، فاهتدى البعض بالمناظرة، وأصر الباقون عناداً فتسلط عليهم السيف.
ولكن حُكم السيف فيكم مسلط فنرضى إذا ما أصبح السيف راضيا وكذلك لما نبغ القدر ونجم به معبد الجهني قيض الله تعالى له زاهد الأمة وابن فاروقها عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، ولو لم تنبغ هاتان البدعتان لما تكلمت الصحابة رضي الله عنهم في رد هذا ولا إبطال هذا، ولم يكن دأبهم إلا الحث على التقوى والغزو وأفعال الخير، ولذلك لم يُنقل عن سيد البشر صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه رضي الله عنهم ، أنه جمع الناس في مجمع عام، ثم أمرهم أن يعتقدوا في الله تعالى كذا وكذا، وقد صدَّر ذلك في أحكام شتى، وإنما تكلم فيها بما يفهمه الخاص ولاينكره العام، وبالله أُقسم يمينا برُّة، ماهي مرة بل ألف ألف مرة، أن سيد الرسل صلى الله عليه وسلم لم يقل: أيها الناس، اعتقدوا أن الله تعالى في جهة العلو، ولاقال ذلك الخلفاء الراشدون، ولا أحد من الصحابة، بل تركوا الناس وأمر التعبدات والأحكام، ولكن لما ظهرت البدع قمعها السلف، أما التحريك للعقائد، والتشمير لإظهارها وإقامة ثائرها، فما فعلوا ذلك، بل حسموا البدع عند ظهورها.
ثم الحشوية إذا بحثوافي مسائل اصول الدين مع المخالفين تكلموا بالمعقول، وتصرفوا في المنقول، فإذا وصلوا إلى الحشو تبلَّدُوا وتأسَّوا، فتراهم لا يفهمون بالعربية ولا بالعجمية، كلا والله، والله لو فهموا لهاموا، ولكن اعترضوا بحر الهوى فشقوه وعاموا، وأسمعوا كل ذي عقل ضعيف، وذهن سخيف، وخالفوا السلف في الكف عن ذلك مع العوام، ولقد كان الحسن البصري رضي الله عنه إذا تكلم في علم التوحيد، أخرج غير أهله، وكانوا رحمهم الله تعالى لايتكلمون إلا مع أهل السنة منهم، إذ هي قاعدة أهل التحقيق، وكانوا يضنون به على الأحداث، وقالوا: الأحداث هم المستقبلون الأمور، المبتدئون في الطريق، فلم يجربواالأمور، ولم يرسخ لهم فيها قدم، وإن كانوا أبناء سبعين سنة. وقال سهل رضي الله عنه: لا تطلعوا الأحداث على الأسرار قبل تمكنهم من اعتقاد أن الإله واحد وأن المُوَحَّدَ فرد صمد منزه عن الكيفية والأبنية، لا تحيط به الأفكار، ولا تُكَيِّفُه الألباب، وهذا الفريق لا يكتفي من إيمان الناس إلا باعتقاد الجهة، وكأنه لم يسمع الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: " أُمرتُ أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله" الحديث.
أفلا يكتفي بما اكتفى به نبيهم صلى الله عليه وسلم، حتى أنه يأمر الزَّمنى بالخوض في بحر لا ساحل له، ويأمرهم بالتفتيش عما لم يأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتفتيش عنه، ولا أحد من أصحابه رضي الله عنهم، ولا تنازل واكتفى بما نُقل عن إمامه الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه، حيث قال: " لا يُوصف الله تعالى إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسول الله صلى الله عليه وسلم، لانتجاوز القرآن والحديث، ونعلم أن ما وُصِفَ اللهُ به من ذلك فهو حق، ليس فيه لغو ولا أحاج، بل معناه يُعرف من حيث يُعرف مقصود المتكلم بكلامه، وهو مع ذلك ( ليس كمثله شيء) في نفسه المقدسة المذكورة بأسمائه وصفاته، ولا في أفعاله، فكان ينبغي أن الله سبحانه له ذات حقيقية، وأفعال حقيقية، وكذلك له صفات حقيقية، وهو ( ليس كمثله شيء) لا في ذاته ولا في صفاته، ولا في أفعاله، وكل ما أوجب له نقصاً أو حُدوثاً فإن الله عز وجل منزه عنه حقيقةً، فإنه سبحانه مُستحق للكمال الذي لا غاية فوقه، وممتنع عليه الحدوث لا متناع العدم عليه، واستلزام الحدوث سابقة العدم، وافتقار المُحدَث إلى مُحدِث ووجوب وجوده بنفسه سبحانه وتعالى" هذا نص إمامه، فهلا اكتفى به.
ولقد أتى إمامه في هذا المكان بجوامع الكلم، وساق أدلة المتكلمين على ما يدعيه هذا المارق بأحسن رد وأوضح معان، مع أنه لم يأمر بما أمر به هذا الفريق.
وقد قال الشافعي رضي الله عنه: سألت مالكاً عن التوحيد، فقال: محال أن نظن بالنبي صلى الله عليه وسلم أنه علم أمته الاستنجاء ولم يُعلمهم التوحيد، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "أُمِرتُ أن أُقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله" الحديث، فبين مالك رضي الله عنه أن المطلوب من الناس في التوحيد هو ما أشتمل عليه هذا الحديث، ولم يقل: من التوحيد إعتقاد أن الله تعالى في جهة العلو.
وسُئل الشافعي رضي الله تعالى عنه عن صفات الله فقال: حرام على العقول أن تُمَثِّلَ الله تعالى، وعلى الأوهام أن تحد، وعلى الظنون أن تقطع، وعلى النفوس أن تُفكر، وعلى الضمائر أن تُعمق، وعلى الخواطر ان تُحيط إلا ما وصف به نفسه على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم.
ومن تقصى وفتش وبحث وجد أن الصحابة رضي الله عنهم، والتابعين والصدر الأول لم يكن دأبهم غير الإمساك عن الخوض في هذه الأمور، وترك ذكرها في المشاهد، ولم يكن يدسونها إلى العوام، ولا يتكلمون بها على المنابر، ولايوقعون في قلوب الناس منها هواجس كالحريق المشتآل، وهذا معلوم بالضرورة من سيرهم، وعلى ذلك بنينا عقيدتنا وأسسنا نحلتنا، وسيظهر لك إن شاء الله تعالى موافقتنا للسلف، ومخالفة المخالف طريقهم وإن ادعى الإتباع، فما سالك غير الابتداع.
وقول المُدعي إنهم أظهروا هذا، وقول: علم النبي صلى الله عليه وسلم كل شيءحتى الخرأة، وما علم هذا المهم، هذا بهرج لا يمشي على الصيرفي النقاد، أو ما علِم أن الخرأة يحتاج إليها كل واحد، وربما تكررت الحاجة إليها في اليوم مرات، وأي حاجة بالعوام والخواص في الصفات؟ نعم الذي يحتاجون إليه من التوحيد قد تبين في حديث: " أُمِرتُ أن أُقاتل الناس"، ثم هذا الكلام من المُدعي يهدم بنيانه، ويهد اركانه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم علَّم الخرأة تصريحا، وما علم الناس أن الله تعالى في جهةالعلو، وما ورد من العرش والسماء في الاستواء، قد بنى المُدعي مبناه، وأوثق عُرى دعواه، على أن المراد بهما شيء واحد، وهو جعة العلو، فما قاله هذا المُدعي لم يُعلمه النبي صلى الله عليه وسلم أمته، وعلمهم الخرأة، فعند المُدعي يجب تعليم العوام حديث الجهة، وما علمها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما نحن فالذي نقوله أنه لا يُخاض في مثل هذا، ويُسكت عنه كما سكت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ويسعنا ما وسعهم، ولذلك لم يوجد منا أحد يأمر العوام بشيء من الخوض في الصفات، والقوم قد جعلوا دأبهم الدخول فيها والأمر بها، فليت شعري من الأشبه بالسلف؟وها نحن نذكر عقيدة أهل السنة، فنقول:
عقيدتنا أن الله قديم أزلي، لا يشبه شيئا ولا يُشبهه شيء، ليس له جهة ولا مكان، ولا يجري عليه وقت ولا زمان، ولا يقال له أين ولا حيث، يُرى لا عن مُقابلة ولا على مُقابلة، كان ولامكان، كوَّن المكان، ودبر الزمان، وهو الآن على ما عليه كان. هذا مذهب أهل السنة، وعقيدة مشايخ الطريق.
قال الجنيد رضي الله عنه: متى يتصل من لا شبيه له ولا نظير له بمن له شبيه ونظير؟. وكما قيل ليحيى بن معاذ الرازي: أخبِرنا عن الله عز وجل؟ فقال: إله واحد. فقيل له: كيف هو؟ فقال: مالك قادر. فقيل له: أين هو؟ فقال: بالمرصاد. فقال السائل: لم أسألك عن هذا، فقال: ما كان غير هذا كان سنة المخلوق، فأما صفته فما أخبَرتُ عنه..
وكما سأل ابن شاهين الجنيد رضي الله عنهما عن معنى "مع" فقال: "مع" على معنيين، مع الأنبياء بالنصرة والكلاءة، قال تعالى: (إنني معكما أسمع وأرى)، ومع العالم بالعلم والإحاطة، قال الله تعالى: (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم) فقال ابن شاهين: مثلك يصلح دالا للأمة على الله.
وسُئل ذو النون المصري رضي الله عنه، عن قوله تعالى: ( الرحمن على العرش استوى)، فقال: أثبت ذاته ونفى مكانه، فهو موجود بذاته، والأشياء بحكمته كما شاء.
وسُئل الشبلي رضي الله عنه فقال: الرحمن لم يزل والعرش محدث، والعرش بالرحمن استوى.
وسُئل عنها جعفر بن نصير، فقال: استوى علمه بكل شيء، وليس شيء أقرب إليه من شيء.
وقال جعفر الصادق رضي الله عنه: من زعم أن الله تعالى في شيء أو من شيء أو على شيء فقد أشرك ، إذ لو كان في شيء لكان محصورا، ولوكان على شيء لكان محمولا، ولو كان من شيء لكان مُحدثا.
وقال محمد بن محبوب خادم أبي عثمان المغربي، قال لي أبو عثمان المغربي يوماً: يا محمد، لو قال لك قائل: اين معبودك أيش تقول؟ قلت: أقول: حيث لم يزل. قال: فإن قال: فأين كان في الأزل أيش تقول؟ قلت: حيث هو الآن. يعني أنه كان ولا مكان فهو الآن كما كان، قال: فارتضى ذلك مني، ونزع قميصه فأعطانيه.
وقال أبو عثمان المغربي: كنت أعتقد شيئا من حديث الجهة، فلما قدمت بغداد زال ذلك عن قلبي، فكتبت إلى أصحابي بمكة أني أسلمت جديداً. قال: فرجع كل من كان تابعه على ذلك.
فهذه كلمات أعلام أهل التوحيد، وأئمة جمهور الأمة، سوى هذه الشرذمة الزائغة، وكتبهم طافحة بذلك، وردهم على هذه النازغة لا يكاد يُحصر، وليس غرضنا بذلك تقليدهم، لمنع ذلك في أصول الديات، بل إنما ذكرت ذلك ليعلم أن مذهب أهل السنة ما قدمناه.
ثم إن قولنا إن آيات الصفات وأخبارها، على من يسمعها وظائف التقديس، والإيمان بما جاء عن الله تعالى وعن رسوله صلى الله عليه وسلم على مراد الله تعالى، ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم، والتصديق والاعتراف بالعجز، والسكوت والإمساك عن التصرف في الألفاظ الواردة، وكف الباطن عن التفكر في ذلك، واعتقاد أن ما خفي عليه منها لم يخف عن الله ولا عن رسوله صلى الله عليه وسلم، وسيأتي في شرح هذه الوظائف إن شاء الله تعالى، فليت شعري في أي شيء نخالف السلف، هل هو في قولنا: كان ولا مكان؟ أو في قولنا: إنه تعالى كون المكان، أوفي قولنا: وهو الآن على ما عليه كان؟ أو في قولنا: تقدس الحق عن الجسمية ومشابهتها؟ أو في قولنا: يجب تصديق ما قاله الله تعالى ورسوله بالمعنى الذي أراد؟ أو في قولنا: يجب الاعتراف بالعجز؟ أو في قولنا: نسكت عن السؤال والخوض فيما لا طاقة لنا به؟ أو في قولنا: يجب إمساك اللسان عن تغيير الظواهر بالزيادة والنقصان؟ وليت شعري في ماذا وافقوا هم السلف، هل في دعيهم إلى الخوض في هذا والحث على البحث مع الأحداث الغرين، والعوام الطغام الذين يعجزون عن غسل محل النجو وإقامة دعائم الصلاة؟ أو وافقوا السلف في تنزيه الباري سبحانه وتعالى عن الجهة؟ وهل سمعوا في كتاب الله أو أثارة من علم عن السلف أنهم وصفوا الله تعالى بجهة العلو، وأن كلما لا يصفه به فهو ضال مضل من فراخ الفلاسفة والهنود واليونان؟ (انظر كيف يفترون على الله الكذب وكفى به إثما مبينا).
ونحن الآن نبتدئ بإفساد ما ذكره، ثم بعد ذلك نقيم الحجة على نفس الجهة والتشبيه، وعلى جميع ما يدعيه، وبالله المستعان، فأقول:
ادعى أولا انه يقول بما قاله الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم، ثم إنه قال ما لم يقله الله ولا رسوله ولا السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار، ولا شيئا منه، فأما الكتاب والسنة فسنبين مخالفته لهما، وأما السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار فذكره لهم في هذا الموضع استعاره للتهويل، وإلا فهو لم يورد من أقوالهم كلمة واحدة، لا نفيا ولا إثباتاً، وإذا تصفحت كلامه عرفت ذلك، اللهم إلا أن يكون مراده من بالسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار مشايخ عقيدته دون الصحابة.
وأخذ بعد هذه الدعوى في مدحه صلى الله عليه وسلم وفي مدح دينه، وأن أصحابه أعلم الناس بذلك، والأمر كما قاله وفوق ما قاله، وكيف المدائح تستوفي مناقبه، ولكن كلامه كما قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه: كلمة حق أُريد بها باطل.
ثم أخذ بعد ذلك في مدح الائمة وأعلام الأمة، حيث اعترفوا بالعجز عن إدراكه سبحانه وتعالى، مع أن سيد الرسل صلى الله عليه وسلم قال: "لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك"، وقال الصديق رضي الله عنه: العجز عن درك الإدراك إدراك. وتجاسر المدعي على دعوى المعرفة، وأن ابن الحيض قد عرف القديم على ما هو عليه، ولا غرور ولا جهل أعظم ممن يدعي ذلك، فنعوذ بالله من الخذلان.
ثم أخذ بعد ذلك في نسبة مذهب جمهور أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلى أنه مذهب فراخ الفلاسفة، وأتباع اليونان والهنود ( ستكتب شهادتهم ويسئلون).
ثم قال: كتاب الله تعالى من أوله إلى آخره، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من أولها إلى آخرها، ثم عامة كلام الصحابة والتابعين، ثم كلام سائر الأئمة مملوء بما هو: إما نص وإما ظاهر في أن الله تعالى فوق كل شيء، وعلى كل شيء، وأنه فوق العرش، وأنه فوق السماء. وقال في أثناء كلامه، وأواخر ما زعمه: إنه فوق العرش حقيقة. وقاله في موضع آخر عن السلف، فليت شعري أين هذا في كتاب الله تعالى على هذه الصورة، التي نقلها عن كتب ربه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم؟‍ وهل في كتب الله تعالى كلمة مما قاله حتى يقول: إنه فيه نص؟‍ والنص هو الذي لا يحتمل التأويل البتة، وهذا مراده، فإنه جعله غير الظاهر، لعطفه عليه، وأي آية في كتاب الله تعالى نصٌ بهذا الاعتبار‍ فأول ما استدل به قوله تعالى: (إليه يصعد الكلم الطيب)، فليت شعري أي نص في الآية أو ظاهر على أن الله تعالى في السماء أو على العرش؟ ثم نهاية ما يتمسك به أنه يدل على علو يُفهم منه الصعود، وهيهات، زل حمار العلم في الطين، فإن الصعود في الكلام كيف يكون حقيقته مع أن المفهوم في الحقائق أن الصعود من صفات الأجسام! فليس المراد إلا القبول، ومع هذا لا حد ولا مكان.
وأتبعهما بقوله تعالى: (إني متوفيك ورافعك إليّ) وما أدري من أين استنبط من هذا الخبر أن الله تعالى فوق العرش من هذه الآية! هل ذلك بدلالة المطابقة أو التضمن أو الالتزام، أو هو شيء أخذه بطريق الكشف والنفث في الروع؟ ولعله أعتقد أن الرفع إنما يكون في العلو في الجهة، فإن كان كما خطر له فذلك أيضا لا يُعقل إلا في الجسمية والحدية، وإن لم يقل بهما، فلا حقيقة فيما استدل به، وإن قال بهما فلا حاجة إلى المغالطة، ولعله لم يسمع الرفعة في المرتبة والتقريب في المكانة، من استعمال العرب والعرف، ولا "فلان رفع الله شأنه".
وأتبع ذلك بقوله: (أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض) وخص هذا المستدل "من" بالله تعالى، ولعله لم يُجوز أن المراد به ملائكة الله تعالى، ولعله يقول: إن الملائكة لا تفعل ذلك، ولا أن جبريل عليه السلام خسف بأهل سدوم، فلذلك استدل بهذه الآية، ولعلها النص الذي اشار إليه.
وأتبعه بقوله تعالى: ( تعرج الملائكة والروح إليه) والعروج والصعود شيء واحد، ولا دلالة في الآية على أن العروج إلى سماء ولا عرش ولا شيء من الأشياء التي ادعاها بوجه من الوجوه، لأن حقيقته المستعملة في لغة العرب في الأنتقال في حق الأجسام، إذ لا تعرف العرب إلا ذلك، فليت لو أظهره واستراح من كتمانه.
وأردفه بقوله تعالى: (يخافون ربهم من فوقهم) وتلك أيضا لا دلالة له فيها على سماء ولا عرش، ولا أنه في شيء من ذلك حقيقة.
ثم الفوقية ترد لمعنيين:
أحدهما، نسبة جسم إلى جسم، بأن يكون أحدهما أعلى والآخر اسفل، بمعنى أن أسفل الأعلى من جانب رأس الأسفل، وهذا لا يقول به من لا يُجسم، وبتقدير أن يكون هو المراد وأنه تعالى ليس بجسم فَلِمَ لا يجوز أن يكون (من فوقهم) صلة ل(يخافون) ويكون تقدير الكلام: يخافون من فوقهم ربهم. أي أن الخوف من جهة العلو، وأن العذاب يأتي من تلك الجهة.
وثانيهما، بمعنى المرتبة، كما يقال: الخليفة فوق السلطان، والسلطان فوق الأمير.
وكما يقال: جلس فلان فوق فلان، والعلم فوق العمل، والصباغة فوق الدباغة. وقد وقع ذلك في قوله تعالى، حيث قال: (ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات) ولم يطلع أحدهم على أكتاف الآخر، ومن ذلك قوله تعالى: (وإنا من فوقهم قاهرون) وما ركبتِ القبطُ أكتاف بني إسرائيل، ولا ظهورهم.
وأردف ذلك بقوله تعالى: (الرحمن على العرش استوى) وورد هذا في كتاب الله في ستة مواضع في كتابه، وهي عمدة المُشبهة وأقوى مُعتمدهم، حتى إنهم كتبوها على باب جامع همدان، فنصرف العناية إلى أيضاحها، فنقول:
إما أنهم يعزلون العقل بكل وجه وسبب، ولا يلتفتون إلى ما سُمِّي فهما وإدراكاً، فمرحبا بعقلهم، وبقول (الرحمن على العرش استوى)، وإن تعدوا هذا إلى أنه مستو على العرش فلا حبا ولا كرامة، فإن الله تعالى ما قاله، مع أن علماء البيان كالمتفقين على أن في اسم الفاعل من الثبوت ما لايفهم من الفعل. وإن قالوا: هذا يدل على أنه فوقه، فقد تركوا ما التزموه، وبالغوا في التناقض والتشهي والجرأة.
وإن قالوا: بل نُبقي العقل، ونفهم ما هوا المراد، فنقول لهم: ما هو الاستواء في كلام العرب؟ فإن قالوا: الجلوس والاستقرار. قلنا: هذا ما تعرفه العرب إلا في الجسم، فقولوا: يستوي جسم على العرش. وإن قالوا: جلوس واستقرار نسبته إلى ذات الله تعالى كنسبة الجلوس إلى الجسم. فالعرب لا تعرف هذا حتى يكون هو الحقيقة، ثم العرب تفهم استواء القدح الذي هو ضد الاعوجاج، فوصفوه بذلك وتبرءوا معه من التجسيم، وسدوا باب الحمل على غير الجلوس، ولا يسدونه في قوله تعالى: (وهو معكم أين ما كنتم) وقوله تعالى: (ونحن اقرب إليه من حبل الوريد)، ولا تقولوا: معهم بالعلم. وإن قلتم ذلك فلِمَ تُحلونه عاما وتحرمونه عاما؟ ومن أين لكم أن ليس الاستواء فعلا من أفعاله تعالى في العرش؟ فإن قالوا: ليس هذا كلام العرب. قلنا ولا كلام العرب "استوى" بالمعنى الذي تقولونه بلا جسم.
ولقد رام المدعي التفلت من شرك التجسيم، بما زعمه من أن الله تعالى في جهة، وأنه استوى على العرش استواء يليق بجلاله. فنقول له: قد صرت الآن إلى قولنا في الاستواء، وأما الجهة فلا تليق بالجلال. وأخذ على المتكلمين قولهم: إن الله تعالى لو كان في جهة، فإما أن يكون أكبر أو أًصغر أو مساويا، وكل ذلك محال. قال: فلم يفهموا من قول الله تعالى: (على العرش) إلا ما يُثبتون لأي جسم كان على أي جسم كان. قال: وهذا اللازم تابع لهذا المفهوم، وأما استواء يليق بجلال الله فلا يلزمه شيء من اللوازم. فنقول له: أتميميا مرة وقيسيا أخرى! إذا قلت استواء يليق بجلال الله، فهو مذهب المتكلمين، وإذا قلت: استواء هو استقرار واختصاص بجهة دون أخرى لم يجد ذلك تخلصا من الترديد المذكور، والاستواء بمعنى الاستيلاء.
وأشهدُ له (لله) في هذه الآية أنها لم ترد قط إلا في إظهار العظمة والقدرة والسلطان والملك، والعرب تكنى بذلك عن الملك فيقولون: فلان استوى على كرسي المملكة، وإن لم يكن جلس عليه مرة واحدة، ويريدون بذلك الملك.
وأما قولهم: فإن حملتم الاستواء على الاستيلاء لم يبق لذكر العرش فائدة، فإن ذلك في حق كل المخلوقات، فلا يختص بالعرش. فالجواب عنه: أن كل الموجودات لما حواها العرش كان الاستيلاء عليه استيلاءً على جميعها، ولا كذلك غيره، وأيضا فكناية العرب السابقة ترجحه، وقد تقدم الكلام عن السلف في معنى الاستواء، كجعفر الصادق، ومن تقدم.
وقولهم: استوى بمعنى استولى، إنما يكون فيما يدافع عليه.
قلنا: واستوى بمعنى جلس أيضا إنما يكون في جسم، وأنتم قد قلتم إنكم لا تقولون به، ولو وصفوه تعالى بالاستواء على العرش لما أنكرنا عليهم ذلك، بل نعدهم إلى ما يشبه التشبيه، أو هو التشبيه المحذور، والله الموفق.
واستدل بقوله تعالى حكاية عن فرعون: (يا هامان ابن لي صرحاُ لعلي أبلغ الأسباب. أسباب السموات فأطلع إلى إله موسى) فليت شعري كيف فهم من كلام فرعون أن الله تعالى فوق السموات، وفوق العرش يُطلع إلى إله موسى، أما أن إله موسى، أما أن إله موسى في السموات فما ذكره، وعلى تقدير فهم ذلك من كلام فرعون فكيف يستدل بظن فرعون وفهمه، مع إخبار الله تعالى أنه زُين له سوء عمله، وأنه حاد عن سبيل الله عز وجل، وأن كيده في ضلال، مع أنه لما سأل موسى عليه السلام وقال: وما رب السموات؟ لم يتعرض موسى عليه السلام للجهة، بل لم يذكر إلا أخص الصفات، وهي القدرة على الاختراع، ولو كانت الجهة ثابتة، لكان التعريف بها أولى، فإن الإشارة الحسية من أقوى المُعرفات حِسَّاً وعُرفا، وفرعون سأل بلفظة "ما" فكان الجواب بالتحيز أولى من الصفة، وغاية ما فهمه من هذه الآية واستدل به فهم فرعون، فيكون عمدة هذه العقيدة كون فرعون ظنها، فيكون هو مستندها (مشيدها)، فليت شعري لِمَ لا ذكر النسبة إليه، كما ذكر أن عقيدة سادات أمة محمد صلى الله عليه وسلم، الذين خالفوا اعتقاده في مسألة التحيز والجهة الذين ألحقهم بالجهمية، مُتلقاة من لبيد الأعصم اليهودي الذي سحر النبي صلى الله عليه وسلم.
وختم الآيات الكريمة بالاستدلال بقوله تعالى: (تنزيل من حكيم حميد) (مُنزل من ربك بالحق) وما في الآيتين لا عرش ولا كرسي ولا أرض، بل ما فيهما إلا مجرد التنزيل، وما أدري من أي الدلالات استنبطها المدعي! فإن السماء لا تُفهم من التنزيل، فإن التنزيل قد يكون من السماء وقد يكون من غيرها، ولا تنزيل القرآن كيف يُفهم من النزول، الذي هو انتقال من فوق إلى أسفل! فإن العرب لا تفهم ذلك في كلام، سواء كان من عرض أو غير عرش، وكما تُطلِق العرب النزول على الانتقال تُطلقه على غيره، كما جاء في كتابه العزيز: (وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد) ، وقوله تعالى : (وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج) ولم ير أحد قطعة حديد نازلة من السماء في الهواء، ولا جملا يُحلق من السماء إلى الأرض، فكما جوز هنا أن النزول غير الانتقال من العلو إلى السفل، فليجوزه هناك.
هذا آخر ما استدل به من الكتاب العزيز، وقد ادعى أولا أنه يقول ما قاله الله، وأن ما ذكره من الآيات دليل على قوله، إما نصا وإما ظاهرا، وأنت إذا رأيت ما ادعاه، وأمعنت النظر فيما قلناه، واستقريت هذه الآيات، لم تجد فيها كلمة على وفق ما قاله أولا، لا نصا ولا ظاهرا ألبتة، وكل أمر بعد كتاب الله تعالى والدعوى عليه خلل.
ثم استدل من السنة بحديث المعراج، ولم يرد في حديث المعراج أن الله فوق السماء أو فوق العرش حقيقة، ولا كلمة واحدة من ذلك، وهو لم يسرد حديث المعراج، ولا بين الدلالة منه، حتى نجيب عنه، فإن بَيّن وجه الاستدلال عَرَّفناه كيف الجواب.
واستدل بنزول الملائكة من عند الله تعالى، والجواب عن ذلك أن نزول الملائكة من السماء إنما كان لأن السماء مقرهم، والعندية لا تدل على أن الله في السماء، لأنه يُقال في الرسل الآدميين: إنهم من عند الله، وإن لم يكونوا نزلوا من السماء، على أن العندية قد يراد بها الشرف والرتبة، قال تعالى: ( وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب)، وتُستعمل في غير ذلك، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، حكاية عن ربه عز وجل: "أنا عند ظن عبدي بي".
وذكر عروج الملائكة، وقد سبق، وربما شدَّ فقار ظهره، وقوى مُنّةَ مُنَّتِه بلفظة (إلى ربهم) وأن (إلى) لانتهاء الغاية، وأنها في قطع المسافة، وإذا سكت عن هذا لم يتكلم بكلام العرب، فإن المسافة لا تفهم العرب منها إلا ما تنتقل فيه الأجسام، وهو يقول إنهم لا يقولون بذلك، وقد قال الخليل صلى الله عليه وسلم : (إني ذاهب إلى ربي) وليس المراد بذلك الانتهاء الذي عناه المدعي بالاتفاق، فَلِمَ يجترئ على ذلك في كتاب الله تعالى، ولا يُجاب به في خبر الواحد!
وذكر قوله صلى الله عليه وسلم: "ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء، يأتيني خبر من في السماء صباحا ومساء"، وليس المراد بمن هو الله تعالى، ولا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، ولا خصه به، ومن أين للمدعي أنه ليس المراد بمن الملائكة، فإنهم أكبر المخلوقات علما بالله تعالى، وأشدهم اطلاعا على القرب، وهم يعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمين، وهو عندهم في هذه الرتبة، فليعلم المدعي أنه ليس في الحديث ما ينفي هذا، ولا ما يثبت ما ادعاه.
يليها القسم الثاني مباشرة من رسالة ابن جهبل الشافعي


عدل سابقا من قبل طيارة رشد في الإثنين مارس 14, 2011 7:02 am عدل 2 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
طيارة رشد
مشرف المنتديات الأسلامية
مشرف المنتديات الأسلامية



تاريخ التسجيل : 22/12/2010
العمر : 56
تاريخ الميلاد : 26/06/1967
الجنس : ذكر عدد المساهمات : 201
نقاط : 361
السٌّمعَة : 14
الهوايات : المطالعة
الدولة : سوريا

رسالة شهاب الدين بن جهبل الشافعي في نفي الجهة1 Empty
مُساهمةموضوع: رسالة شهاب الدين بن جهبل الشافعي في نفي الجهة2   رسالة شهاب الدين بن جهبل الشافعي في نفي الجهة1 I_icon_minitimeالإثنين مارس 14, 2011 3:51 am

نتابع القسم الثاني من رسالة ابن جهبل الشافعي في نفي الجهة وهي رد على ابن تيمية
ثم ذكر حديث الرقية: "ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمك، أمرك في السماء والأرض، كما رزقك في السماء" الحديث. وهذا الحديث بتقدير ثبوته، فالذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم فيه: " ربنا الذي في السماء تقدس اسمك" ما سكت النبي صلى الله عليه وسلم على "في السماء" فلأي معنى نقف نحن عليه، ونجعل "تقدس اسمك" كلاما مستأنفاً؟ هل فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا، أو أمر به؟ وعند ذلك لا يجد المدعي مخلصا إلا أن يقول: الله تقدس اسمه في السماء والأرض، فلم خُصَّصَتِ السماء بالذكر؟ فنقول له: ما معنى "تقدس" ؟ إن كان المراد به التنزيه من حيث هو تنزيه فذلك ليس في سماء ولا أرض، إذ التنزيه نفي النقائص، وذلك لا تعلق له بجرباء ولا غبراء،فإن المراد أن المخلوقات تُقدس وتعترف بالتنزيه، فلا شك أن أهل السماء مطبقون على تنزيهه تعالى، كما أنه لا شك أن في أهل الأرض من لم يُنزِّه، وجعل له ندا، ووصفه بما لا يليق بجلاله، فيكون تخصيص السماء بذكر التقديس فيها لانفراد أهلها بالإطباق على التنزيه، كما أنه سبحانه لما انفرد في الملك في يوم الدين عمن يُتوهم ملكه خصَّصه بقوله تعالى: (مالك يوم الدين)، وكما قال سبحانه وتعالى بعد دمار من ادعى المُلك والمِلك : ( لِمَنِ الملك اليوم لله الواحد القهار).
وأعاد هذاالمدعي الحديث من أوله، ووصل إلى أن قال: فليقل ربنا الذي في السماء.
قال : وذكره ووقف على قوله " في السماء " فليت شعري هل جوز أحد من العلماء أن يفعل مثل هذا ؟ وهل هذا إلا مجرد إيهام أن سيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم وعليهم قال : " ربنا الله الذي في السماء "
وأما حديث الأوعال، وما فيه من قوله: " والعرش فوق ذلك كله، والله فوق ذلك كله " فهذا الحديث قد كثر منهم إيهام العوام أنهم يقولون به، ويروجون به زخارفهم ولا يتركون دعوى من دعاويهم عاطلة من التحلي بهذا الحديث، ونحن نبين أنهم لم يقولوا بحرف واحد منه ولا استقر لهم قدم بأن الله تعالى فوق العرش حقيقة، بل نقضوا ذلك، وإيضاح ذلك بتقديم ما أخر هذا المدعي، قال في آخر كلامه ولا يظن الظان أن هذا يخالف ظاهر قوله تعالى " وهو معكم أينما كنتم " وقول النبي صلى الله عليه وسلم وإذا قام أحدكم للصلاة فإن الله قبل وجهه " ونحوذلك، قال: فإن هذا غلط ظاهر، وذلك أن الله تعالى معنا حقيقة، فوق العرش حقيقة، قال: كما جمع الله بينهما في قوله: " هو الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستةأيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير " قال هذا المدعي بملء ماضغتيه من غير تكتم ولا تلعثم: فقد أخبر الله تعالى أنه فوق العرش، ويعلم كل شيء وهو معنا أينما كنا، كما قال عليه الصلاة والسلام في حديث الأوعال: " والله فوق العرش وهو يعلم ما أنتم عليه " فقد فهمت أن هذا المدعي ادعى أن الله فوق العرش حقيقة، واستدل بقوله تعالى : " ثم استوى على العرش "، وجعل ذلك من الله تعالى : خبر أنه فوق العرش، وقد علم كل ذي ذهن قويم وفكر مستقيم، أن لفظ " واستوى على العرش " ليس مرادفاً للفظ " فوق العرش " حقيقة، وقد سبق منا الكلام عليه، ولا في الآية ما يدل على الجمع الذي ادعاه، ولا بين التقريب في الاستدلال، بل سرد آية من كتاب الله تعالى لا يدرى هل حفظها أو نقلها من المصحف، ثم شبه الآية في الدلالة على الجمع بحديث الأوعال، ( قال ) كما قال عليه الصلاة والسلام : والله فوق العرش " وقد علمت أنه ليس في الحديث ما يدل على المعية، بل لا مدخل لِمَعَ في الحديث، قال: وذلك أن "مع" إذا أطلقت فليس ظاهرها في اللغة إلا للمقارنة المطلقة من غير وجوب مماسة ولامحاذاة عن يمين أو شمال، فإذا قيدت بمعنى من المعاني دلت على المقارنة في ذلك المعنى، فانه يقال: ما زلنا نسير والقمر معنا والنجم معنا. ويقال: هذا المتاع معنا. وهو لمجامعته لك وإن كان فوق رأسك، فإنما الله مع خلقه حقيقة، وهو فوق العرش حقيقة ثم هذه المعية تختلف أحكامها بحسب الموارد، فلما قال: " يعلم ما يلج في الأرض ومايخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير " دل ظاهر الخطاب على أن حكم المعية ومقتضاها أنه مطلع عليكم عالم بكم. وقال: وهذا معنى قول السلف: إنه معهم بعلمه.
وقال: وهذا ظاهر الخطاب وحقيقته.
قال: وكذلك في قوله تعالى : " ما يكون من نجوى ثلاثة " الآية، وفي قوله تعالى : " لا تحزن إن الله معنا "، " إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون "، " إنني معكما أسمع و أرى ".
قال: ويقول أبو الصبى له من فوق السقف: لا تخف،أنا معك. تنبيهاً على المعية الموجبة لحكم الحال. فليفهم الناظر أدب هذا المدعي فيهذا المثل وحسن ألفاظه في استثمار مقاصده.
ثم قال: فَفرقٌ بين المعية وبين مقتضاها، المفهوم من معناها، الذي يختلف باختلاف المواضع. فليفهم الناظر هذه العبارة التي ليست بالعربية ولا بالعجمية، فسبحان المسبح باللغات المختلفة.
قال: فلفظ المعية قد استعمل في الكتاب والسنة في مواضع، يقتضي في كل موضع أموراً لا يقتضيها في الموضع الآخر. هذه عبارته بحروفها.
ثم قال: فإما أن تختلف دلالتها بحسب المواضع أو تدل على قدر مشترك بين جميع مواردها وإن امتاز كل موضع بخاصية فليفهم تقسيم هذا المدعى وحسن تصرفه.
قال: فعلى التقديرين ليس مقتضاها أن تكون ذات الرب مختلطة بالخلق ، حتى يقال صرفت عن ظاهرها. ثم قال في موضع آخر: من علم أن المعية تضاف إلى كل نوع من أنواع المخلوقات، كإضافة الربوبية مثلاً وأن الاستواء على العرش ليس إلا العرش وأن الله تعالى يوصف بالعلو والفوقية الحقيقية ولا يوصف بالسفول ولا بالتحتية قط، لا حقيقة ولا مجازاً، علم أن القرآن على ما هو عليه من غير تحريف. فليفهم الناظر هذه المقدمات القطعية، وهذه العبارات الرائقة الجلية، وحصر الاستواء على الشيء في العرش مما لا يقوله عاقل فضلاً عن جاهل.
ثم قال: من توهم أن كون الله في السماء، بمعنى أن السماء تحيط به وتحويه فهو كاذب إن نقله عن غيره، وضال إن اعتقده في ربه، وما سمعنا أحداً يفهمه من اللفظ، ولا رأينا أحداً نقله عن أحد. فليستفد الناظر أن الفهم يسمع.
قال: ولو سُئِل سائر المسلمين: هل يفهمون من قول الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى في السماء تحويه، لبادر كل أحد منهم إلى أن يقول: هذا شيء لعله لم يخطر ببالنا، وإذا كان الأمر هكذا فمن التكلف أن يجعل ظاهر اللفظ شيئاً محالاً لا يفهمه الناس منه، ثم يريد أن يتأوله.
قال: بل عند المسلمين أن الله في السماء، وهو على العرش واحد، إذ السماء يراد بها العلو، فالمعنى: الله في العلو لا في السفل. هكذا قال هذا المدعي فليثن الناظر على هذه بالخناصر، وليعض عليها بالنواجذ، وليعلم أن القوم (يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين ) .
قال : وقد علم المسلمون أن كرسيه تعالى وسع السموات والأرض ، وان الكرسي في العرش كخلقة ملقاة بأرض فلاة ، وأن العرش خلق من مخلوقات الله تعالى ، لا نسبة له إلا قدرة الله وعظمته، وكيف يتوهم متوهم بعد هذا أن خلقا يحصره ويحويه ، وقد قال تعالى: ( و لأصلبنكم في جذوع النخل ) وقال تعالى : ( فسيروا في الأرض ) بمعنى " على " ونحو ذلك ، وهو كلام عربي لا مجاز ، وهذا يعلمه من عرف حقائق معنى الحروف ، وأنها متواطئة في الغالب ، هذا آخر من تمسك به.
فنقول : أولاً ما معنى قولك : إن "مع" في اللغة للمقارنة المطلقة من غير مماسة ولا محاذاة وما هي المقارنة ؟ فإن لم يفهم من المقارنة غير صفة لازمة للجسمية ،حصل المقصود، وإن فهم غيره فليتنبه حتى ننظر هل تفهم العرب من المقارنة ذلك أولاً .
ثم قوله: فإذا قيدت بمعنى من المعاني دلت على المقارنة في ذلك المعنى . فنقول له : ومن نحا ذلك في ذلك ؟
قوله: إنها في هذه المواضع كلها بمعنى العلم. قلنا: من أين لك هذا ؟ فإن قال : من جهة قوله تعالى : " ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم " الآية، دل ذلك على المعية بالعلم، وأنه على سبيل الحقيقة: فنقول له : قد كلت بالصاع الوافي فكل لنا بمثله ، واعلم أن "فوق" كما يستعمل في العلو في الجهة كذلك يستعمل في العلو في المرتبة والسلطنة والملك ، وكذلك الاستواء ، فيكونان متواطئين ، كما ذكرته حرفاً بحرف ، وقد قال الله تعالى " وهو القاهر فوق عباده " ، وقال تعالى" وفوق كل ذي علم عليم " ، وقال الله تعالى " يد الله فوق أيديهم " وقال تعالى حكاية عن قوم فرعون : " و إنا فوقهم قاهرون " وقال تعالى " ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات " ، ومعلوم أنه ليس المراد جهة العلو ، فأعد البحث وقل : فوق العرش بالاستيلاء . وكذا في حديث الأوعال ، وما فعلته في " مع " فافعله في "فوق" وخرج هذا كما خرجت ذلك، وإلا اترك الجميع .
ثم قوله : ومن علم أن المعية تضاف إلى كل نوع من أنواع المخلوقات ، وأن الاستواء على الشيء ليس إلا العرش ، قلنا حتى نبصر لك رجلاً استعملها يعلم ما تقوله من غير دليل ،فإنك إن لم تقم دلالة على ذلك وإلا أبرزت لفظة تدل على تحتم " فوق " للاستواء في جهة العلو ، فليت شعري من أين تعلم أن المعية بالعلم حقيقة ، وأن آية الاستواء على العرش وحديث الأوعال دالان على صفة الربوبية بالفوقية الحقيقية اللهم غفراً ، هذا لا يكون إلا بالكشف ، وإلا فالأدلة التي نصبها الله تعالى لتعرف بها ذاته وصفاته وشرائعه لم يورد هذا المدعى منها حرفاً على وفق دعوى ، ولا تثبت له قدم إلا في مهوى.
ثم قوله : لا يوصف الله بالسفول والتحتية ، لا حقيقة ولا مجازاً ، ليت شعري ! من ادعى له هذه الدعوى حتى يكلف الكلام فيها ؟
ثم إن قوله بعد ذلك : من توهم كون الله تعالى في السماء بمعنى أن السماء تحيط به وتحويه فهو كاذب إن نقله عن غيره وضال إن اعتقده في ربه . أيها المدعي ، قل ما تفهم ، وافهم ما تقول ، وكلم الناس كلام عاقل لعاقل ، تفيد وتستفيد ، إذا طلبت أن تستنبط من لفظة " في " الجهة ، وحملتها على حقيقتها هل يفهم منها غير الظرفية ، أو ما في معناها ؟ وإذا كان كذلك فهل يفهم عاقل أن الظرف ينفك عن إحاطة ببعض أو جميع أو ما يلزم ذلك ؟ وهل جرى هذا على سمع؟ وهل من يخاطر أن "في" على حقيقتها في جهة، ولا يفهم منها احتواء ولا إحاطة ببعض ولا كل ؟ فإذا كان المراد أن يعزل الناس عقولهم ، وتتكلم أنت وهم يقلدون ويصدقون ، لم تأمن أن بعض المسؤولين من المخالفين للملة يأمرك بذلك ويثبت الباطل عليك.
ثم قولك: لو سئل سائر المسلمين هل يفهمون من قوله تعالى وقول رسوله أن الله في السماء تحويه، لبادر كل واحد منهم إلى أن يقول : هذا شيء لعله لم يخطر ببالنا . فنقول : مالذي أردت بذلك ؟ إن أردت أن هذا اللفظ لا يعطي هذا المعنى فإياك أن تسأل عن هذا من هو عارف بكلام العرب ، فإنه لا يصدقك في أن هذا اللفظ لا يعطي هذا ، مع كون "في" للظرفية وأنها على حقيقتها في الجهة وإن أردت أن العقول تأبى ذلك في حق الله تعالى ، فلسنا نحن معك إلا في تقرير هذا ونفي كل ما يوهم نقصاً في حق الله تعالى.
ثم قولك : عند المسلمين أن الله في السماء وهو على العرش واحد . لا ينبغي أن تضيف هذا الكلام إلا إلى نفسك ، أو إلى من تلقيت هذه الوصمة منه ، ولا تجعل المسلمين يرتبكون في هذا الكلام الذي لا يعقل .
ثم استدللت على أن كون الله في السماء والعرش واحد بأن السماء إنما السماء يراد بها العلو ، فالمعنى : أن الله في العلو لا في السفل ، قل لي : هل قال الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم أجمعين : إ ن الله تعالى في العلو لا في السفل ؟ وكل ما قلت من أول المقدمة إلى آخرها ، لم سلم لك لكان حاصله أن الله تعالى وصف نفسه بأنه استوى على العرش وأن الله تعالى فوق العرش .
أما أن السماء المراد بها العلو فما ظفرت كفاك بنقله .
ثم قولك : قد علم المسلمون أن كرسيه تعالى وسع السموات والأرض ، وأن الكرسي في العرش كحلقة ملقاة بأرض فلاة ، فليت شعري ، إذا كان حديث الأوعال يدلك على أن الله فوق العرش فكيف يجمع بينه وبين طلوع الملائكة إلى السماء التي فيها الله ؟ وكيف يكون مع ذلك في السماء حقيقة ؟ ولعلك تقول : إن المراد بهما جهة العلو توفيقاً ، فليت شعري أيمكن أن تقول بعد هذا التوفيق العاري من التوقيف والتوفيق إن الله في السماء حقيقة وعلى السماء حقيقة وفي العرش حقيقة وعلى العرش حقيقة ؟ ثم حقيقة السماء هي هذه المشاهد المحسوسة يطلق عليها هذا الاسم من لم يخطر بباله السمو ، وأما أصل الاشتقاق فذلك لا مزية لها فيه على السقف والسحاب فتبارك الله تعالى خالق العقول .
ثم قولك بعد ذلك : العرش من مخلوقات الله تعالى ، لا نسبة له إلا قدرة الله وعظمته وقع إلينا " إلا قدرة الله " فإن كانت بألف لام ألف ، كما وقع إلينا فقد نفيت العرش وجعلت الجهة هي العظمة والقدرة ، وصار معنى كلامك : جهة الله عظمته وقدرته ، والآن قلت مالا يفهم ولا قاله أحد ، وإن كان كلامك بألف لام ياء ، فقد صدقت وقلت الحق ومن قال خلاف ذلك ؟ ولعمري لقد رممنا لك هذا المكان ولقناك إصلاحه .
ثم قلت : كيف يتوهم بعد هذا أن خلقا يحصره أو يخويه ، قلنا : نعم ، ومن أي شيء بلاؤنا إلا ممن يدعى الحصر أو يوهمه !
ثم قلت : وقد قال الله تعالى : " ولأصلبنكم في جذوع النخل " أو ما علمت أن التمكن الاستقراري حاصل في الجذع ، فإن تمكن المصلوب في الجذع كتمكن الكائن في الظرف ، وكذلك الحكم في قوله تعالى : " قل سيروا في الأرض " وهذا الذي ذكرناه هو الجواب عن حديث الأوعال ، وحديث قبض الروح ، وحديث عبد الله بن رواحة رضي الله عنه ، وحديث أمية بن أبي الصلت ، وما قال من قوله: مجدوا الله فهو أهل لمجد ربنا في السماء أمسى كبيرا
فيقال للمدعي : إن كنت ترويه " في السماء " فقط ، ولا تتبعها " أمسى كبيرا " فربما يوهم من تدعيه ، لكن لا يبقى شعراً ولا قافية ، وإن كان قال : " ربنا في السماء أمسى كبيرا " فقل مثل ما قال أمية ، فعند ذلك لا يدرى: هل هو كما قلت: أو قال: إن الله كبير في السماء .
فإن قلت : وهو كبير في الأرض فلم خصت السماء ؟
قلنا : التخصيص بما أشرنا إليه من أن تعظيم أهل السموات أكثر من تعظيم أهل الأرض له ، فليس في الملائكة من ينحت حجراً ويعبده ، ولا فيهم دهري ولا معطل ولا مشبه ، وخطاب أمية لكفار العرب الذين اتخذوا هبل ومنآة واللات والعزى وغير ذلك من الأنداد ، وقد علمت العرب أن أهل السماء أعلم منهم ، حتى كانوا يتمسكون بحديث الكاهن الذي كان يتلقف من الجني الذي يسترق الكلمة من الملك ، فيضيف إليها مائة كذبة ، فكيف اعتقادهم في الملائكة !! فلذلك احتج عليهم أمية بالملائكة ، هذا ليس ببعيد ولا خلافه قطعي .
ثم قال : من المعلوم بالضرورة أن الرسول المبلغ عن الله ألقى إلى أمته المدعوين أن الله تعالى على العرش وأنه فوق السماء ، فنقول له : هذا ليس بصحيح بالصريح ، بل ألقى إليهم أن الله استوى على العرش ، هذا الذي تواتر من تبليغ هذا النبي صلى الله عليه وسلم وما ذكره المدعي من هذا الإخبار ، فأخبار آحاد لا يصدق عليها جمع كثرة ولا حجة له فيها، وذلك واضح لمن سمع كلام الرسول عليه الصلاة والسلام ونّزله على استعمال العرب وإطلاقاتها ، ولم يدخل عليها غير لغتها .
ثم قلت : كما فطر الله جميع الأمم عربهم وعجمهم في الجاهلية والإسلام إلا من إجتالته الشياطين عن فطرته . هذا كلام من أوله إلى آخره معارض بالميل والترجيح معنا .
ثم قلت عن السلف في ذلك من الأقوال ما لو جمعته لبلغت مائتين ألوفاً . فنقول : إن أردت بالسلف سلف المشبهة كما سيأتي في كلامك فربما قاربت ، وإن أردت سلف الأمة الصالحين فلا حرفاً ولا شطر حرف ، وها نحن معك في مقام مقام ومضمار مضمار بحول الله وقوته .
ثم قلت : ليس في كتاب الله تعالى ، ولا سنة رسوله ، ولا عن أحد من سلف الأمة ، لا من الصحابة ولا من التابعين ، حرف واحد يخالف ذلك ، ولا نص ولا ظاهر . قلنا : ولاعنهم ، كما ادعيت أنت ، ولا نص ولا ظاهر ، وقد صدرت أولاً أنك تقول ما قاله الله ورسوله والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار ، ثم دارت الدائرة على أن المراد بالسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار مشايخ عقيدتك ، وعزلت العشيرة وأهل بدر والحديبية عن السبق ، والتابعين عن المتابعة وتولي هؤلاء لا غير ( الله أعلم حيث يجعل رسالاته ) .
ثم قولك : لم يقل أحد منهم : إنه ليس في غير السماء ، ولا إنه ليس على العرش، ولا إنه في كل الأمكنة بنسبة إليه سواء ، ولا إنه داخل العالم ولا خارجه ، ولا متصل ولا منفصل . قلنا لقد عممت الدعوى ، فذكرت ما لم تحظ به علماً ، وقد ذكرنا لك عن جعفر الصادق والجنيد والشبلي وجعفر بن النصير ، وأبي عثمان المغربي ، رضي الله عنهم ، ما فيه كفاية ، فإن طعنت في نقلها ، أو في هذا السادة ، طعنا في نقلك ، وفي من أسندت إله من أهل عقيدتك خاصة ، فلم يوافقك على ما ادعيته غيرهم .
ثم إنك أنت الذي قد قلت ما لم يقله الله ، ولا رسوله ، ولا السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار ، ولا من التابعين ، ولا من المشايخ الأمة الدين لم يدركوا الأهواء فما نطق أحد منهم بحرف في أن الله في جهة العلو ، وقد قلت وصرحت وبحثت وفهمت بأن ما ورد من أنه في السماء ، وفوق السماء ، وفي العرش ، وفوق العرش ، المراد به جهة العلو ، فقل لنا : من قال هذا ؟ هل قال الله ، أو رسوله ، أو السابقون الأولون من المهاجرين ولأنصار ، أو التابعين لهم بإحسان فلم يهول علينا بالأمور المغمغمة ، وبالله المستعان .
يتبع القسم الثالث من رسالة ابن جهبل الشافعي



عدل سابقا من قبل طيارة رشد في الإثنين مارس 14, 2011 7:18 am عدل 2 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
طيارة رشد
مشرف المنتديات الأسلامية
مشرف المنتديات الأسلامية



تاريخ التسجيل : 22/12/2010
العمر : 56
تاريخ الميلاد : 26/06/1967
الجنس : ذكر عدد المساهمات : 201
نقاط : 361
السٌّمعَة : 14
الهوايات : المطالعة
الدولة : سوريا

رسالة شهاب الدين بن جهبل الشافعي في نفي الجهة1 Empty
مُساهمةموضوع: رسالة شهاب الدين بن جهبل الشافعي في نفي الجهة3   رسالة شهاب الدين بن جهبل الشافعي في نفي الجهة1 I_icon_minitimeالإثنين مارس 14, 2011 3:53 am

القسم الثالث من رسالة ابن جهبل الشافعي
ثم استدل على جواز الإشارة الحسية إليه بالأصابع ونحوها ، بما صح أنه صلى الله عليه وسلم في خطبة عرفات جعل يقول : " ألا هل بلغت " ؟ فيقولون : نعم . فيرفع إصبعه إلى السماء وينكتها إليهم ،ويقول : " اللهم اشهد " غير مرة . ومن أي دلال يدل على هذا جواز الإشارة إليه ؟ هل صدر منه صلى الله عليه وسلم إلا أنه رفع إصبعه ثم نكتها إليهم ؟ هل في ذلك دلالة على أن رفعه كان يشير إلى جهة الله تعالى. ولكن هذا من عظيم ما رسخ في ذهن هذاالمدعى من حديث الجهة ، حتى إنه لو سمع مسألة من عويص الفرائض والوصايا وأحكام الحيض ، لقال : هذه دالة على الجهة .
ثم أتى بالطامة الكبرى والداهية الدهياء ، وقال : فإن كان الحق ما يقوله هؤلاء السابقون النافون ، من هذه العبارات ونحوها ، دون ما يفهم من الكتاب والسنة إما نصاً أو ظاهراً ، كيف يجوز على الله تعالى ، ثم على رسوله صلى الله عليه وسلم ، ثم عن خير الأمة : أنهم يتكلمون دائماً بما هو نص أو ظاهر في خلاف الحق ، ثم الحق الذي يجب اعتقاده لا يبيحون به قط ولايدلون عليه ؛ لا نصاً ولا ظاهراً ، حتى يجيء أبناء الفرس والروم وأفراخ الهنود يبينون للأمة العقيدة الصحيحة ، التي يجب على كل مؤلف أو فاضل أن يعتقدها ، لئن كانما يقوله هؤلاء ( المتكلمون ) المتكلفون ، من الاعتقاد الواجب ، وهم مع ذلك أحيلواعلى مجرد عقولهم ، وأن يدفعوا لمقتضى قياس عقولهم ما دل عليه الكتاب والسنة ، نصاً أو ظاهراً ، لقد كان ترك الناس بلا كتاب ولا سنة أهدى لهم وأنفع على هذا التقرير ، بل كان وجود الكتاب والسنة ضر، محضاً في أصول الدين ، فإن حقيقة الأمر على ما يقوله هؤلاء : أنكم يا معشر العباد لا تطلبوا معرفة الله سبحانه وتعالى وما يستحق من الصفات نفياً ولا إثباتاً لا من الكتاب ولا من السنة ولا من طريق سلف الأمة ولكن انظروا أنتم فما وجدتموه مستحقاً له في عقولكم فلا تصفوه بها .
ثم قال : هما فريقان أكثرهم يقول : ما لم تثبته عقولكم فانفوه ومنهم من يقول : بل توقفوا فيه . وما نفاه قياس عقولكم الذي أنتم فيه مختلفون ومضطربون اختلافاً أكثر من جميع اختلاف على وجه الأرض فانفوه، وإليه عند الشارع فارجعوا ، فإنه الحق الذي تعبدتكم به ، وما كان مذكوراً في الكتاب والسنة مما يخالف قياسكم هذا أو يثبت ما لم تدركه عقولكم، على طريقةأكثرهم، فاعلموا أني امتحنتكم بتنزيله، لا لتأخذوا الهدى منه ، لكن لتجتهدوا في تخريجه على شواذ اللغة ووحشي الألفاظ وغرائب الكلام أو تسكتوا عنه مفوضين علمه إلي . هذا حقيقة الأمر على رأي المتكلمين
.
هذا ما قاله وهو الموضع الذي صرع فيه وتخبطه الشيطان من المس، فنقول له : ما تقول فيما ذكر العيون بصفة الجمع ، وذكرالجنب وذكر الساق الواحدة وذكر الأيدي ؟ فإن أخذنا بظاهر هذا يلزمنا إثبات شخص له وجه واحد عليه عيون كثيرة ، وله جنب واحد وعليه أيد كثيرة ، وله ساق واحدة ، فأي شخص يكون في الدنيا أبشع من هذا، وإن تصرفت في هذا بجمع وتفريق بالتأويل فلم لا ذكره الله ورسوله وسلف الأمة ؟
وقوله تعالى في الكتاب العزيز : " الله نور السموات والأرض " فكل عاقل يعلم أن النور الذي على الحيطان والسقوف وفي الطرق والحشوش ليس هو الله تعالى ، ولا قالت المجوس بذلك فإن قلت بأنه هادي السموات والأرض ومنورها ، فلم لا قاله الله تعالى ولا رسوله ولا سلف الأمة ؟ وورد قوله تعالى : " ونحن أقرب إليه من حبل الوريد " وذلك يقضي بأن يكون الله داخلا لزردمة ، فلم لا بينه الله ولا رسوله عليه الصلاة والسلام ولا سلف الأمة ؟ وقال تعالى : " واسجد واقترب " ومعلوم أن التقرب في الجهة ليس إلا بالمسافة، فلم لا بينه الله ولا رسوله ولا سلف الأمة ؟ وقال تعالى : " فأينما تولوافثم وجه الله " ، وقال تعالى : " وجاء ربك " ، وقال تعالى : " فأتى الله بنيانهم من القواعد " ، وقال تعالى : " ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث " .
وقال عليه الصلاة والسلام حكاية عن ربه عز وجل : " من تقرب إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً ومن تقرب إلي ذراعاً تقربت منه باعاً ومن أتاني يمشي أتيته هرولة " وما صح في الحديث : " أجد نفس الرحمن من قبل اليمن " ومن قوله صلى الله عليه وسلم : " الحجر الأسود يمين الله في الأرض " ومن قوله صلى الله عليه وسلم حكاية عن ربه سبحانه وتعالى : " أنا جليس من ذكرني
" .
وكل هذه هل تأمن من المجسم أن يقول لك : ظواهر هذه كثرة تفوت الحصر أضعاف أحاديث الجهة ، فإن كان الأمر كما يقول في نفي الجسمية مع أنه لم يأت في شيء من هذه ما يبين خلاف ظواهرها ، لا عن الله تعالى ، ولا عن رسوله عليه الصلاة والسلام ولا عن سلف الأمة فحينئذ يكيل لك المجسم بصاعك ، ويقول لك : لوكان الأمر كما قلت ، لكان الناس بلا كتاب ولا سنة أهدى لهم
.
وإن قلت : إن العمومات قد بينت خلاف ظواهر هذه، لم نجد منها نافياً للجسمية إلا وهو ناف للجهة
.
ثم ما يؤمنك من تناسخيٍ يفهم من قوله تعالى : " في أي صورة ما شاء ركبك " مذهبه ، ومن معطل يفهم من قوله : " مما تنبت الأرض " مراده ، فحينئذ لا تجد مساغاً لما تغص به من ذلك إلا الأدلة الخارجة عن هذه الألفاظ ، ثم صار حاصل كلامك أن مقالة الشافعية والحنفية والمالكية ، يلزمها أن يكون ترك الناس بلا كتاب ولا سنة أهدى لهم، أفتراهم يكفرونك بذلك أم لا؟
ثم جعلت أن مقتضى كلام المتكلمين ، أن الله تعالى ورسوله وسلف الأمة تركوا العقيدة حتى بينها هؤلاء ، فقل لنا : إن الله تعالى ورسوله وسلف الأمة بينوها، ثم انقل عنهم أنهم قالوا كما تقول : إن الله تعالى في جهة العلو لا في جهة السفل . وإن الإشارة الحسية جائزة إليه، فإن لم تجد ذلك في كتاب الله تعالى ولا كلام رسوله عليه الصلاة والسلام ولا كلام أحد من العشرة ولاكلام أحد من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم فعد على نفسك بلائمة وقل : لقد ألزمت القوم بما لا يلزمهم ، ولو لزمهم لكان عليك اللوم .
ثم قلت عن المتكلمين : إنهم يقولون : ما يكون على وفق قياس العقول فقولوه وإلا فانفوه . والقوم لم يقولوا ذلك ، بل قالوا : صفة الكمال يجب ثبوتها لله ، وصفةالنقص يجب نفيها عنه . كما قاله الإمام أحمد رضي الله عنه ، وقالوا : وما ورد من الله تعالى ومن رسوله فليعرض على لغة العرب ، التي أرسل الله تعالى محمداً بلغتها كما قال تعالى :" وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه " فما فهمت العرب فافهمه ومن جاءك بما يخالفه فانبذ كلامه نبذ الحذاء المرقع ، واضرب بقوله حائط الحُشِّ
.
ثم نعقد فصلاً إن شاء الله تعالى بعد إفساد ما نزغ به ، في سبب ورود هذه الآيات على هذا الوجه، فإنه إنما تلقف ما نزغ به في مخالفة الجماعة ، وأساء القول على الملة من حثالة الملاحدة الطاعنين في القرآن وسنبين إن شاء الله تعالى ضلالهم ، ويعلم إذ ذلك من هو من فراخ الفلاسفة والهنود ، ثم لو استحبي الغافل لعرف مقدار علماء الأمة رحمهم الله تعالى ، ثم هل رأى من رد على الفلاسفة والهنود والروم والفرس غير هؤلاء الذين جعلهم فراخهم، وهل اتكلوا في الرد على هذه الطوائف على قوم لا عقل لهم ولا بصيرة ولا إدراك ، ثم يذرونهم يستدلون على إثبات الله تعالى في الحجاج على منكره بالنقل ، وعلى منكري النبوة بالنقل حتى يصير مضغة للماضغ ، وضحكة للمستهزئ وشماتة للعدو وفرحاً للحسود وفي قصة الحسن بن زياد اللؤلؤي عبرة للمعتبر
.
ثم أخذ بعد هذا في أن الأمور العامة إذا نفيت عنها إنما يكون دلالتها على سبيل الألغاز . قلنا : وكذلك المجسم يقول لك : دلالة الأمور العامة على نفي الجسميةإلغاز
.
ثم قال بعد هذا : يا سبحان الله ، كيف لم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم يوماً من الدهر ولا أحد من سلف الأمة : هذه الآيات والأحاديث لا تعتقدوا ما دلت عليه ؟ فيقال له : ما الذي دلت عليه يقولوا إنه لا يُعتقد ؟ هذا تشنيع بحت
.
ثم يقول لك المجسم : يا سبحان الله ، لِمَ لم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا أحد من سلف الأمة : إن الله تعالى ليس بجسم ، ولا قالوا : لا تعتقدوا من الأحاديث الموهمة للجسمية ظواهرها ؟
ثم استدل بقوله عليه الصلاة والسلام في صفة الفرقة الناجية : " هو من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي" ، قال المدعى : فهلا قال : من تمسك بظاهر القرآن في آيات الاعتقاد فهو ضال ، وإنما الهدى رجوعكم إلى مقاييس عقولكم.
فليعلم الناظر أنه هاهنا باهت و زخرف وتشبع بما لم يعطه، فإنه قد ثبت أن طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عنهم : الكف عن ذلك ، فما نحن الآمرون به ، وأنه هو ليس بساكت ، بل طريقه الكلام ، وأمر الدهماء بوصف الله تعالى بجهة العلو ، وتجويز الإشارة الحسية إليه ، فليت شعري ، من الموافق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ! ولكن صدق القائل: رمتني بدائها وانسلت
.
ثم المجسم يقول له ، حذو النعل بالنعل ما قاله لنا ، ونقول له : لم لا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه : الناجية من قال: إن الله في جهة العلو ، وإن الإشارة الحسية إليه جائزة ؟ فإن قال : هذه طريقة السلف وطريقة الصحابة قلنا : من أين لك هذا ؟ ثم لا تأمن من كل مبتدع يدعي ذلك
.
ثم أفاد المدعى وأسند أن هذه المقالة مأخوذة من تلامذة اليهود والمشركين وضلال الصابئين. قال : فإن أول من حفظ عنه هذه المقالة : الجعد بن درهم ، وأخذها عنه جهم ابن صفوان ، وأظهرها فنسبت مقالة الجهمية إليه ، (قال) : والجعد أخذها عن أبان بن سمعان ، وأخذها أبان بن أخت لبيد بن الأعصم وأخذها طالوت بن لبيد اليهودي الذي سحر النبي صلى الله عليه وسلم
.
قال : وكان الجعد هذا فيما يقال من أهل حران
.
فيقال له : أيها المدعي أن هذه المقالة مأخوذة من تلامذة اليهود ، قد خالفت الضرورة في ذلك ، فإنه ما يخفى على جميع الخواص وكثير من العوام أن اليهود مجسمة مشبهات ، فكيف يكون ضد التجسيم والتشبيه مأخوذاً عنهم ؟ وأما المشركون فكانوا عباداً أوثاناً وقد بينت الأمة أن عبدة الأصنام تلامذة المشبهة ، وأن أصل عبادة الأصنام التشبيه ، فكيف يكون نفيه مأخوذاً عنهم ؟ وأما الصائبة فبلدهم معروف وأقليمهم مشهور وهل نحن منه أوخصومنا ؟ وأما كون الجعد ابن درهم من أهل حران فالنسبة صحيحة، وترتيب هذا السند الذي ذكره سيسأله الله تعالى عنه والله من ورائه بالمرصاد وليت لو اتبعه أن سند دعواه وعقيدته أن فرعون ظن أن إله موسى في السماء
!
ثم أضاف المقالة إلى بشر المريسي وذكر أن هذه التأويلات هي التي أبطلتها الأئمة ، ورد بها على البشر وأنما ذكره الأستاذ أبو بكر ابن فورك والإمام فخر الدين الرازي ، قدس الله روحهما همما ذكره بشر وهذا بهرج لا يثبت على محك النظر القويم ولا معيار الفكر السليم فإنه من المحال أن تنكر الأئمة على بشر أن يقول ما تقوله العرب وهذان الإمامان ما قالا إلا ما قالته العرب ، وما الإنكار على بشر إلا فيما يخالف فيه لغة العرب ، وأن يقول عنهما ما لم تقله
.
ثم أخذ بعد ذلك في تصديق عزوته إلى المهاجري نوالأنصار رضي الله عنهم . وشرع في النقل عنهم ، فقال: قال الأوزاعي : كنا ،والتابعون متوافرون نقول: إن الله - تعالى ذكره - فوق عرشه
.
فنقول له : أول ما بدأت به الأوزاعي وطبقته من بعدهم ، فأين السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار ؟ وأما قول الأوزاعي فأنت قد خالفته ، ولم تقل به لأنك قلت: إن الله ( ليس ) فوق عرشه لأنك قررت أن العرش والسماء ليس المراد بهما إلا جهة العلو، وقلت : المراد من فوق عرشه والسماء ذلك ، فقد خالفت قول الأوزاعي صريحاً مع أنك لم تقل قطما يفهم ، فإن قررت أن السماء في العرش كحلقة ملقاة في فلاة فكيف تكون هي هو ؟ ثم من أين لك صحة هذا النقل عن الأوزاعي ؟
وبعد مسامحتك في كل ذلك ،ما قال الأوزاعي: الله فوق العرش حقيقة، فمن أين لك هذه الزيادة ؟!
ونقل عن مالك بن أنس والثوري والليث و الأوزاعي أنهم قالوا في أحاديث الصفات : أمروها كما جاءت . فيقال له : لم لا أمسكت على ما أمرت به الأئمة بل وصفت الله بجهة العلو ، ولم يرد بذلك خبر ، ولو بذلت قراب الأرض ذهباً على أن تسمعها من عالم رباني لم تفرح بذلك ،بل تصرفت ونقلت على ما خطر لك ، وما أمررت ولا أقررت ولا امتثلت ما نقلته عن الأئمة
.
وروي قول ربيعة ومالك : الاستواء غير مجهول . فليت شعري ! من قال إنه مجهول بل أنت زعمت أنه لمعنى عينته وأردت أن تعزوه إلى الإمامين ، ونحن لا نسمع
.
ثم نقل عن مالك أنه قال للسائل : الإيمان به واجب . والسؤال عنه بدعة وماأراك إلا مبتدعاً . فأمر به فأخرج . فيقال له : ليت شعري ! من امتثل منا قول مالك ؟ هل امتثلناه نحن ، حيث أمرنا بالإمساك وألجمنا العوام عن الخوض في ذلك أو الذي جعله دراسته . يلقيه ويلقفه ( ويلقنه ) ويكتبه ويدرسه ، ويأمر العوام بالخوض فيه ؟ وهل أنكر على المستفتي في هذه المسألة بعينها ، وأخرجه كما فعل مالك رضي الله عنه في مابعينها ؟ وعند ذلك يعلم أن ما نقله عن مالك حجة عليه لا له
.
ثم نقل عن عبدالعزيز ابن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون ، أنه قال وقد سئل عما جحدت به الجهمية : ( أما بعد ، فقد فهمت فيما سألت فيما تسامعت الجهمية ) ومن خالفها في صفة الرب العظيم الذي فاقت عظمته الوصف والتقدير ، وكلت الألسن عن تفسير صفته ، وانحسرت العقول دون معرفة قدرته ، ردت عظمته العقول فلم تجد مساغاً فرجعت خاسئة وهي حسيرة ، وإنما أمروا بالنظر والتفكر فيما خلق بالتقدير ، وإنما يقال : " كيف " لمن لم يكن مرة ثم كان ، فأما الذي لا يحول ولا يزول ولم يزل وليس له مثل فإنه لا يعلم كيف هوإلا هو وكيف يعرف قدر من لم يبدأ ومن لا يموت ولا يبلى ؟ وكيف يكون لصفة شيء منه حد أو منتهى يعرفه عارف ، أو يحد قدره واصف ؟ على أنه الحق المبين ، لا حق أحق منه ،ولا شيء أبين منه
.
والدليل على عجز العقول عن تحقيق صفته عجزها عن تحقيق صفة أصغر خلقه ، فلا تكاد تراه صغيراً يحول و يزول ولا يرى له سمع ولا بصر ، بل ما يتقلب به ويحتال من عقله أعضل بك وأخفى عليك مما ظهر من سمعه وبصره فتبارك الله أحسن الخالقين وخالقهم وسيد السادات وربهم
.
ثم نقل عنه الأحاديث الواردة في الصفات ، وذكر قوله : " والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه " قال: فوالله ما دلهم على عظيم ما وصف من نفسه وما تحيط به قبضته إلا صغر نظرها منهم عندهم أن ذلك الذي ألقى في روعهم وخلق على معرفة قلوبهم فما وصف من نفسه فسماه على لسان رسوله عليه الصلاة والسلام سميناه كما سماه ، ولم نتكلف منه صفة ماسواه لا هذا ولا هذا ، لا نجحد ما وصف ، ولا نتكلف معرفة ما لم يصف
. وبسط الماجشون كلامه في تقرير هذا
فنقول لهذا الحاكي : نعم الحجة أتيت بها ،ولكن لنا ، ونعم السلاح حملت ، ولكن للعدى
.
أما كلام عبد العزيز رضى الله عنه ، وما ذكر من كبرياء الله وعظمته، وأنها تحير العقول ، وتشد الفهوم ، فهذا قاله العلماء نظما ونثرا ، وأنت أزريت على سادات الأئمة وأعلام الأمة في ثاني صفحة نزغتبها ، حيث اعترفوا بالعجز والتقصير ، ونعيت عليهم ذلك ، وعددته عليهم ذنباً وأنت معذور وهم معذورون ، وجعلت قول عبد العزيز حجتك وقد ذكر في القبضة ما يقوله المتكلمون في كل موضع ، وأمر عبد العزيز أن يصف الرب بما وصف به نفسه ، وأن يسكت عما وراء ذلك ، وذلك قولنا وفعلنا وعقدنا وأنت وصفته بجهة العلو وما وصف بها نفسه وجوزت الإشارة الحسية إليه وما ذكرها و نحن أمررنا الصفات كما جاءت ، وأنت جمعت بين العرش والسماء بجهة العلو ، وقلت : في السماء حقيقة وفي العرش حقيقة فسبحان واهب العقول ، ولكن كان ذلك في الكتاب مسطورا
.
ثم ذكر عن محمد ابن الحسن اتفاق الفقهاء على وصف الرب بما جاء في القرآن وأحاديث الصفات
.
فنقول له : نحن لا نترك من هذا حرفاً، وأنت قلت : أصف الرب تعالى بجهة العلو وأجوز الإشارةالحسية إليه ، فأين هذا في القرآن وأخبار الثقاة ، ما أفدتنا في الفتيا من ذلك شيئاً
.
فنقول له : الحمد لله ، حصل المقصود ليت شعري ! من فسر السماء والعرش وقال: معناهما جهة العلو ، ومن ترك تفسيرهما وأمرهما كما جاءا ؟
ثم نقل عن ابن المبارك رضي الله عنه ، أنه قال : يعرف ربنا بأنه فوق سمائه على عرشه، بائن من خلقه ، ولا نقول كما تقول الجهمية إنه ها هنا في الأرض .
فنقول له : قد نص عبد الله أنه فوق سمائه على عرشه ، فهل قال عبد الله : إن السماء والعرش واحد، وهي جهة العلو ؟
ونقل عن حماد ابن زياد أنه قال : هؤلاء الجهمية إنما يحاولوا أن يقولوا : ليس في السماء شيء .
فنقول له أيضاً : أنت قلت بمقالتهم ، فإنك صرحت بأن السماء ليس هي ذاتها بل المعنى الذي اشتقت منه وهو السمو وفسرته بجهة العلو فالأولى لك أن تنعى على نفسك ما نعاه حماد على الجهمية
.
ونقل عن ابن خزيمة أن من لم يقل إن الله فوق سماواته على عرشه بائن من خلقه وجب أن يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه ثم ألقي على مزبلة لئلا يتأذى به أهل القبلة وأهل الذمة
.
فيقال له : الجواب عن مثل هذا قد تقدم ، على أن ابن خزيمة قد علم الخاص والعام حديثه في العقائد والكتاب الذي صنفه في التشبيه وسماه بالتوحيد ، ورد الأئمة عليه :أكثر من أن يذكر ، وقولهم فيه ما قاله هو في غيره ، معروف
.
ونقل عن عباد الواسطى ، وعبد الرحمن بن مهدى ، وعاصم بن على بن عاصم ، نحوامما نقله عن حماد ، وقد بيناه
.
ثم ذكر بعد ذلك ما صح عن انس بن مالك رضى الله عنه ، قال : كانت تفتخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، تقول : زوجكن أهاليكن ، وزوجني الله من فوق سبع سموات
.

فنقول : ليس في هذا الحديث أن زينب قالت: إن الله فوق سبع سموات ، بل إن تزويج الله إياها كان من فوق سبع سموات
.
ثم نقل عن أبي سليمان الخطابي ما نقله عن عبد العزيز الماجشون وقد بينا موافقتنا له ، ومخالفته لذلك
.
وحكاه أيضاً عن الخطيب ، وأبي بكرالإسماعيلي ويحي بن عمار وأبي إسماعيل الهروى ، وأبي عثمان الصابوني
.
وحكىعن أبي نعيم الأصبهاني أن الأحاديث الثابتة في الاستواء يقولون بها ، ويثبتونها من غير تكييف ولا تمثيل ولا تشبيه ، وهو مستو على عرشه في سمائه دون أرضه
.
وحكاه عن معمر الأصبهاني وقد بينا لك غير ما مرة أنه مخالف لهذا و أنه ماقال به طرفة عين إلا ونقضه ،لأن السماء عنده ليست هي المعروفة ، وأن السماء والعرش لا معنى لهما إلا جهة العلو
.
وحكى عن عبد القادر الجيلي أنه قال : الله بجهة العلو مستو على عرشه
.
فليت شعري ! لم أحتج بكلامه وترك مثل جعفرالصادق والشبلي والجنيد وذى النون المصري وجعفر بن نصير ، وأضرابهم رضي الله عنهم ؟

ً مشهوراً ، ومخالفته لإمام
المغرب أبي الوليد الباجي معروفة حتى إن فضلاء المغرب يقولون : لم يكن أحد بالمغرب يرى هذه المقالة غيره وغير ابن أبي زيد ، على أن العلماء : منهم من قد اعتذر عن ابنأبي زيد ، بما هو موجود في كلام القاضي الأجل أبي محمد عبد الوهاب البغدادي المالكي، رحمه الله .
ثم أنه قال : إن الله في السماء على العرش ، من فوق سبع سموات ، ولم يعقل ما معنى في السماء على العرش من فوق سبع سموات
.
ثم إن ابن عبد البر ما تأول هذا الكلام ولا قال كمقالة المدعى إن المراد بالعرش والسماء جهة العلو
.
ثم نقل عن البيهقي رحمه الله ، ما لا تعلق له بالمسألة ، وأعاد كلام من سبق ذكره
.
ثم ذكر بعد ذلك شيخنا أبا الحسن علي ابن إسماعيل الأشعري وأنه يقول : الرحمن على العرش استوى ، ولا نتقدم بين يدي الله تعالى في القول ، بل نقول : استوى بلا كيف
.
وهذا الذي نقله عن شيخنا هو نحلتنا وعقيدتنا لكن نقله لكلامه ما أراه إلا قصد الإيهام أن الشيخ يقول بالجهة ، فإن كان كذلك فلقد بالغ في البهت
.
وكلام الشيخ في هذا أنه قال : كان ولا مكان ،فخلق العرش والكرسي فلم يحتج إلى مكان ، وهو بعد خلق المكان كما كان قبل خلقه
.
وكلامه وكلام أصحابه رحمهم الله يصعب حصره في إبطالها .
ثم حكى ذلك عن القاضي أبي بكر ، وإمام الحرمين .
ثم تمسك برفع الأيدي إلى السماء ، وذلك إنما كان لأجل أن السماء منزل البركات والخيرات ، فإن الأنوار إنما تنزل منها والأمطار ، وإذا ألف الإنسان حصول الخيرات من جانب مال طبعه إليه ، فهذا المعنى الذي أوجب رفع الأيدي إلى السماء وقال الله تعالى : " وفي السماء رزقكم وما توعدون " .
ثم إن اكتفى بمثل هذه الدلالة في مطالب أصول العقائد ، فما يؤمنه من مدع يقول : الله تعالى في الكعبة ، لأن كل مصل يوجه وجهه إليها ، ويقول : " وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض " .
أو يقول : الله في الأرض ، فإن الله تعالى قال : " كلا لا تطعه واسجد واقترب " والاقتراب بالسجود في المسافة إنما هو في الأرض . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أقرب ما يكون العبد في سجوده".
ثم ذكر بعد ذلك ما أجبنا عنه من حديث الأوعال .
وذكر بعد ذلك ما لا تعلق له بالمسألة وأخذ يقول : إنه حكى عن السلف مثل مذهبه وإلى الآن ما حكى مذهبه عن أحد ،لا من سلف ولا من خلف غير عبد القادر الجيلي وفي كلام ابن عبد البر بعضه ، وأما العشرة وباقي الصحابة رضي الله عنهم ، فما نبس عنهم بحرف .
ثم أخذ بعد ذلك في مواعظ و أدعية ، لا تعلق لها بهذا .
ثم أخذ في سب أهل الكلام ورجمهم ، وما ضر القمر من نبحه .
وقد تبين بما ذكرناه أن هذا الحبر الحجة يرجم فتياه أنه يقول ما قاله الله ورسوله والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار ، ولم ينقل مقالته عن أحد من الصحابة .
وإذ قد أتينا على إفساد كلامه وإيضاح إيهامه وإزالة إبهامه ونقض إبرامه وتنكيس أعلامه ، فلنأخذ بعد هذا فيما يتعلق بغرضنا وإيضاح نحلتنا ، فنقول وبالله التوفيق : على سامع هذه الآيات والأخبار المتعلقة بالصفات ما قدمناه من الوظائف وهي التقديس والإيمان والتصديق والاعتراف بالعجز والسكوت والإمساك عن التصرف في الألفاظ الواردة وكف الباطن عن التفكر في ذلك ، واعتقاده أن ما خفي عنه لم يخف عن رسول الله عليه الصلاة والسلام ولا عن الصديق ، ولا عن أكابر الصحابة رضي الله عنهم .
يتبع القسم الأخير


عدل سابقا من قبل طيارة رشد في الإثنين مارس 14, 2011 7:43 am عدل 2 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
طيارة رشد
مشرف المنتديات الأسلامية
مشرف المنتديات الأسلامية



تاريخ التسجيل : 22/12/2010
العمر : 56
تاريخ الميلاد : 26/06/1967
الجنس : ذكر عدد المساهمات : 201
نقاط : 361
السٌّمعَة : 14
الهوايات : المطالعة
الدولة : سوريا

رسالة شهاب الدين بن جهبل الشافعي في نفي الجهة1 Empty
مُساهمةموضوع: رسالة ابن جهبل الشافعي 4   رسالة شهاب الدين بن جهبل الشافعي في نفي الجهة1 I_icon_minitimeالإثنين مارس 14, 2011 6:23 am

نكمل ما تبقى من رسالة ابن جهبل الشافعي:



ولنأخذ الآن في إبراز اللطائف ، من خفيات هذه الوظائف ، فأقول وبالله المستعان : أما التقديس فهو أن يعتقد في كل آية أو خبر معنى يليق بجلال الله تعالى ، مثال ذلك : إذا سمع قوله : "إن الله ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا " وكان النزول يطلق على ما يفتقر إلى جسم عال ، وجسم سافل ، وجسم منتقل من العالي إلى السافل ، والزوال : انتقال جسم من علو إلى سفل ، ويطلق على معنى آخر لا يفتقر إلى انتقال ولا حركة جسم ، كما قال تعالى : " وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج " مع أن النعم لم تنزل من السماء ، بل هي مخلوقة في الأرحام قطعاً ، فالنزول له معنى غير حركة الجسم ، لا محالة .

وفهم ذلك من قول الإمام الشافعي رضي
الله عنه : دخلت مصر فلم يفهموا كلامي ، فنزلت ثم نزلت . ولم يرد حينئذ الانتقال من علو إلى سفل .
فليتحقق السامع أن النزول ليس بالمعنى الأول في حق الله تعالى
،فإن الجسم على الله محال .
وإن كان لا يفهم من النزول الانتقال ، فيقال له
: من عجز عن فهم نزول البعير فهو عن فهم نزول الله عز وجل أعجز . فاعلم أن لهذا معنى يليق بجلاله .

وفي كلام عبد العزيز الما جشون السابق إلى هذا مرامز
.

وكذلك لفظة " فوق " الواردة في القران والخبر ، فليعلم أن" فوق" تارة تكون
للجسمية ، وتارة للمرتبة ، كما سبق ، فليعلم أن الجسمية على الله محال . وبعد ذلك : إن له معنى يليق بجلاله تعالى .

وأما الإيمان والتصديق به ، فهو أن يعلم أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم صادق في وصف الله تعالى بذلك ، وما قاله حق لا ريب فيه ، بالمعنى الذي أراده ، والوجه الذي قاله ، وإن كان لا يقف على حقيقته ، ولا يتخبطه الشيطان ، ويقول: كما إذا أخبرني صادق أن حيوانا في دار ، فقد أدركت وجوده ، وإن لم أعرف عينه ، فكذلك هاهنا .

ثم ليعلم أن سيد الرسل صلى الله عليه
وسلم قد قال :" لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك " وقال سيد الصديقين رضي الله عنه العجز عن درك الإدراك إدراك .

وأما الاعتراف بالعجز : فواجب على
كل من لا يقف على حقيقة هذه المعاني الإقرار بالعجز ، فإن ادعى المعرفة فقد كلف ، وكل عارف وإن عرف فما خفى عليه أكثر .

وأما السكوت فواجب على العوام ، لأنه
بالسؤال يتعرض لمالا يطيقه ، فهو إن سأل عالما لم يمكن العالم إفهامه ، كما لا يمكن البالغ تعليم الطفل لذة الجماع ، وكذلك تعليمه مصلحة البيت وتدبيره ،بل يفهمه مصلحته في خروجه إلى المكتب .

ج من سأله ، فقال : ما
أراك إلا رجل سوء ، وعلاه الرحضاء وكذلك فعل عمر رضى الله عنه بكل من سأل عن الآيات المتشابهة ، وقال عليه الصلاة والسلام : " إنما هلك من كان قبلكم بكثرة السؤال . وورد الأمر بالإمساك عن القدر ، فكيف ( عن) الصفات .

وأما التفسير : فلا
يبدل لفظ بأخرى ، فإنه قد لا يكون قائما مقامه ، فربما كانت الكلمة تستعار في لغة ، وربما كانت مشتركة في لغة دون لغة ، وحينئذ يعظم الخطب بترك الاستعارة وباعتقاد أن أحد المعنيين هو المراد بالمشترك.

وأما التأويل : فهو أن يصرف الظاهر ،
ويتعلق بالمجروح ، فإن كان عامياً فقد خاض بحراً لا ساحل له ، وهو غير سابح ، وإن كان عالماً لم يجز له ذلك إلا بشرائط التأويل ، ولا يدخل مع العامي فيه ، لعجز العامي عن فهمه .

وأما كف باطنه : فلئلا يتوغل في شيء يكون كفراً ولا يتمكن
من صرفه عن نفسه ولا يمكن غيره ذلك .

وأما اعتقاده أن النبي صلى الله عليه
وسلم يعلم ذلك فليعلمه ولا يقس نفسه به ولا بأصحابه ولا بأكابر العلماء ، فالقلوب معادن وجواهر .


ثم الكلام بعد هذا في فصلين : أحدهما في تنزيه الله
تعالى عن الجهة ، فنقول : الأول : أن القوم إن بحثوا بالأخبار والآثار فقد عرفت ما فيها ، وأنهم ما ظفروا بصحابي ولا تابعي يقول بمقالتهم ، على أن الحق في نفس الأمر أن الرجال تعرف بالحق ولا يعرف الحق بالرجال ،وقد روى أبو داود في سننه ، عن معاذ رضي الله عنه أنه قال : اقبلوا الحق من كل من جاء به وإن كان كافرا ، أو قال :فاجرا، واحذروا زينة الحكيم ، قالوا كيف نعلم أن الكافر يقول الحق ؟ قال : إن على الحق نورا . ولقد صدق رضي الله عنه .

ولو تطوقت قلادة التقليد لم نأمن أن
كافرا يأتينا بمن هو معظم في ملته ، فيقول : اعرفوا الحق بهذا .

وإذ قد
علمت أن القوم لا مستروح لهم في النقل فعلم أن الله سبحانه وتعالى لم يخاطب إلا أولى العقول والألباب و البصائر ، والقرآن طافح بذلك والعقل هو المعروف بوجود الله تعالى ووحدته ومبرهن رسالة أنبيائه إذ لا سبيل إلى معرفة إثبات ذلك بالنقل و الشرع قد عدل العقل وقبل شهادته ،واستدل به في مواضع من كتابه كالاستدلال بالإنشاء على الإعادة وقوله تعالى : (وضرب لنا مثلا ونسى خلقه ) ولقد هدم الله تعالى بهذه الآية مباحث الفلاسفة في إنكار المعاد الجسماني .

واستدل به على التوحيد ، فقال
الله تعالى : ( لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) وقال تعالى : " وما كان معه من إله إذاً لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض " .
وقال تعالى : " أولم
ينظروا في ملكوت السموات والأرض " .
وقال تعالى : " انظروا ماذا في السموات
والأرض " .
وقال تعالى : " قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم
تتفكروا " .
وقال تعالى : " سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم
" .

فيا خيبة من رد شاهداً قبله الله ، وأسقط دليلاً نصبه الله
.
فهم يلغون
مثل هذا ويرجعون إلى أقوال مشايخهم ، الذين لم سئل أهم عن دينه لم يكن له قوة على إثباته ، وإذا ركض عليه في ميدان التحقيق جاء سكيتاً وقال : سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته .
وفي صحيح البخاري في حديث الكسوف ما يعرف به حديث هؤلاء في
قبورهم . وبعد ذلك يقول العقل الذبي هو مناط التكليف ، وحاسب الله تعالى الناس به وقبل شهادته ونصبه ، وأثبت به أصول دينه ، وقد شهد بخبث هذا المذهب وفساد هذه العقيدة ، وأنها آلت إلى وصفه تعالى بالنقائص ، تعالى الله عما يقول الظالمين علواً كبيرا .

وقد نبهت مشايخ الطريق على ما شهد به العقل ، ونطق به القرآن
بأسلوب فهمته الخاصة ، ولم تنفر منه العامة .

وبيان ذلك بوجوه
:

البرهان الأول
:

وهو المقتبس من ذي الحسب الزكي ، والنسب العلي ،
سيد العلماء ، ووارث خير الأنبياء ، جعفر الصادق رضي الله عنه ، قال : لو كان الله في شيء لكان محصوراً .
وتقرير هذه الدلالة : أنه لو كان في جهة لكان مشاراً
إليه بحسب الحس ، وهم يعلمون ذلك ، ويجوزون الإشارة الحسية إليه .

وإذا كلن
في جهة مشار إليه لزم تناهيه ، وذلك لأنه إذا كان في هذه الجهة دون غيرها ، فقد حصل فيها دون غيرها ، ولا معنى لتناهيه إلا ذلك ، وكل متناه محدث ؛ لأن تخصيصه بهذا المقدار دون سائر المقادير لا بد له من مخصص .
فقد ظهر بهذا البرهان الذي يبده
العقول : أن القول بالجهة يوجب كون الخالق مخلوقاً والرب مربوباً ، وأنه ذاته متصرفاً فيها ، وتقبل الزيادة والنقصان ، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا .

البرهان الثاني
:

المستفاد من كلام الشبلى رضي الله عنه ، شيخ
الطريق وعلم التحقيق ، في قوله الرحمن لم يزل ، والعرش محدث ، والعرش بالرحمن استوى .

وتقريره : أن الجهة التي يختص الله بها على قولهم ، تعالى الله عنها
وسموها العرش : إما أن تكون معدومة أو موجودة ، والقسم الأول محال بالاتفاق .

وأيضاً فإنها تقبل الإشارة الحسية ، والإشارة الحسية إلى العدم محال ، فهي
موجودة ، وإذا كانت موجودة ، فإن كانت قديمة مع الله فقد وجد " لنا " قديم غير الله وغير صفاته ، فحينئذ لا يدرى أيهما الأولة وهذا خبث هذه العقيدة .
وإن كانت
حادثة فقد حدث التحيز بالله تعالى ، فيلزم أن يكون الله قابلاً لصفات نفسية حادثة ، تعالى الله عن ذلك.

البرهان الثالث
:

المستفاد من لسان الطريقة
وعلم الحقيقة وطبيب القلوب والدليل على المحبوب ، أبي القاسم الجنيد ، رضي اله عنه ، قال : متى يتصل من لا شبيه له ولا نظير بمن له شبيه ونظير ؟ هيهات هيهات! هذا ظن عجيب .

وتقرير هذا البرهان : أنه لو كان في جهة : فإما أن يكون أكبر أو
مساوياً أو أصغر ، والحصر ضروري .

فإن كان أكبر ، كان القدر المساوي منه
للجهة مغايراً للقدر الفاضل منه ، فيكون مركباً من الأجزاء والأبعاض ، وذلك محال لأن كل مركب فهو مفتقر إلى جزئه وجزؤه غيره ، وكل مركب مفتقر إلى الغير ، وكل مفتقر إلى الغير لا يكون إلهاً .

وإن كان مساوياً للجهة في المقدار ، والجهة
منقسمة لإمكان الإشارة الحسية إلى أبعاضها فالمساوي لها في المقدار منقسم .

وإن كان أصغر منها ، تعالى الله عن ذلك علو كبيرا ، فإن كان مساوياً لجوهر
فرد فقد رضوا لأنفسهم بأن إلههم قدر جوهر فرد .
وهذا لا يقوله عاقل ، وإن كان
مذهبهم لا يقوله عاقل لكن هذا في بادئ الرأي يضحك منه جهلة الزنج .

وإن كان
أكبر منه انقسم ، فانظروا إلى هذه النحلة وما قد لزمها تعالى الله عنها .

البرهان الرابع
:

المستفاد من جعفر ابن نصير ، رحمه الله ، وهو إنه
سئل عن قوله تعالى : ( الرحمن على العرش استوى ) فقال : استوى علمه بكل شئ ، فليس شئ اقرب إليه من شئ .

وتقرير هذا البرهان : أن نسبة الجهات إليه على
التسوية ، فيمتنع أن يكون في الجهة .
وبيان أن نسبتها إليه على التسوية : إنه
قد ثبت أن الجهة أمر وجودي ، فهي إن كانت قديمة مع الله لزم وجود قديمين بذاتيهما ، لأنهما إن لم يتميزا بذاتيهما فالجهة هي الله تعالى ، والله هو الجهة، تعالى الله عن ذلك .

وإن لم تكن قديمة ، فاختصاصه بها إما أن يكون لأنه ذاته اقتضت ذلك
، فيلزم كون الذات فاعلة في الصفات النفسية ، أو غير ذاتية ، فنسبة الجهات إلى ذاته على التسوية فمرجح جهة على جهة أمر خارج عن ذاته ، فلزم افتقاره في اختصاصه بالجهة إلى غيره ،وهو على الله تعالى محال .
ثم اعلم ،أن هذه البراهين التي سردناها
وتلقيناها من مشايخ الطريق فإنما استنبطوها من الكتاب العزيز، ولكن ليس كل ما في الكتاب العزيز يعرفه كل أحد ، فكل يغترف بقدر إنائه وما نقصت قطرة من مائه .

ولقد كان السلف يستنبطون ما يقع من الحروب والغلبة ، من الكتاب العزيز ولقد
استنبط ابن برجان رحمه اله من الكتاب العزيز ، فتح القدس على يد صلاح الدين في سنته ، واستنبط بعض المتأخرين من سورة الروم ، إشارة إلى حدوث ما كان بعد ( سنة ) ثلاث وسبعين وستمائة ، ولقد استنبط كعب الأحبار رضي الله عنه من التوراة أن عبد الله ابن قلابة يدخل إرم ذات العماد ، ولا يدخلها غيره وكان يستنبط منها ما يجري من الصحابة رضي الله عنهم وما يلاقيه أجناد الشام ، وذلك مشهور .

والله تعالى أنزل في
كتابه ما يفهم أحد الخلق منه الكثير ، ولا يفهم الآخر من ذلك شيئاً ، ولقد تختلف المراتب في استنباط الأحكام من كلام الفقهاء والمعاني من قصائد الشعراء .
فأما
ما ورد في الكتاب العزيز مما ينفي الجهة ، فتعرفه الخاصة ، ولا تشمئز منه العامة ، فمن ذلك قوله تعالى : " ليس كمثله شيء " ولو حصرته جهة لكان مثالاً للمحصور في ذلك البعض .
وكذلك قوله تعالى : " هل تعلم له سميا " قال ابن عباس رضي الله عنه
: هل تعلم له مثلاً ؟ ويفهم ذلك من ( القيوم ) وبناء المبالغة في أنه قائم بنفسه وما سواه قائم به فلو قام بالجهة لقام به غيره .
ويفهم من قوله تعالى : ( المصور
) لأنه لو كان في جهة لتصور فإما أن يصور نفسه أو يصوره غيره وكلاهما محال .

ويفهم من قوله تعالى : " ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية " ولو كان على
العرش حقيقة ، لكان محمولاً .

ويفهم من قوله تعالى : " كل شيء هالك إلا
وجهه " والعرش شيء يهلك ، فلو كان سبحانه وتعالى لا في جهة ثم صار في جهة ( ثم صار لا في جهة ) لوجد التغير ، وهو على الله محال .
والمدعى لما علم أن القرآن طافح
بهذه الأشياء وبهذه الإشارات ، قال : هذه الأشياء دلالتها كالألغاز .

أو ما
علم المغرور أن أسرار العقائد التي لا تحملها عقول العوام لا تأتي إلا كذلك ، وأن في القرآن ما ينفي الجسمية إلا على سبيل الألغاز ؟ وهل تفتخر الأذهان إلا في استنباط الخفيات ، كاستنباط الشافعي رضي الله عنه الإجماع من قوله تعالى : " ويتبع غير سبيل المؤمنين " وكاستنباط القياس من قوله تعالى : " فاعتبروا يألي الأبصار " وكما استنبط الشافعي خيار المجلس من نهيه عليه الصلاة والسلام عن البيع على بيع أخيه .

وزبدة المسألة أن العقائد لم يكلف النبي صلى الله عليه وسلم الجمهور
منها إلا بلا إله إلا الله محمد رسول الله ، كما أجاب مالك الشافعي رضي الله عنهما ، ووكل الباقي إلى الله وما سمع منه ولا عن أصحابه فيها شيء إلا كلمات معدودات ، فهذا الذي يخفي مثله ، ويلغز في إفادته .


الفصل الثاني
:

في
إبطال ما موه به المدعى ، من أن القرآن والخبر اشتملا على ما يوهم ظاهره ما يتنزه الله تعالى عنه ، على قول المتكلمين ، فنقول :

قال الله تعالى : ) هو الذي
أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ ( الآية . دلت هذه على أن من القرآن محكما ومنه متشابها ، والمتشابه قد أمر العبد برد تأويله إلى الله ، وإلى الراسخين في العلم ، فنقول بعد ذلك : إنما لم تأت النبوة بالنص ظاهرا على المتشابه ، لأن جل مقصود النبوة هداية عموم الناس ، فلما كان الأكثر محكما ، وألجمت العامة عن الخوض في المتشابه ، حصل المقصود ، لولا أن يقيض الله تعالى لهم شيطانا يستهويهم ويهلكهم ، ولو أظهر المتشابه لضعفت عقول العالم عن إدراكه .

ثم من فوائد المتشابه رفعة مراتب العلماء بعضهم على بعض
، كما قال تعالى : ) وفوق كل ذي علم عليم ( وتحصيل زيادة الأجور بالسعي في تفهمها وتفهيمها ، وتعلمها وتعليمها .

وأيضاً لو كان واضحاً جلياً مفهوماً بذاته ،
لما تعلم الناس سائر العلوم ، بل هجرت بالكلية ، ووضح الكتاب بذاته ، ولما احتيج إلى علم من العلوم المعينة على فهم كلامه تعالى ، ثم خوطب في المتشابه بما هو عظيم بالنسبة إليهم ، وإن كان الأمر أعظم منه ، كما نبه عليه عبد العزيز الماجشون في القبضة ، وكما قال تعالى في نعيم أهل الجنة : ( في سدر مخضود . وطلح منضود . وظل ممدود وماء مسكوب ) الآية . فهذا عظيم عندهم ، وإن كان في الجنة ما هو أعظم منه ، كما قال صلى الله عليه وسلم ، حكاية عن الله عز وجل : ( أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ) .

نسأل الله العظيم أن يجعل
فيها قرارنا ، وأن ينور بصيرتنا وأبصارنا ، وأن يجعل ذلك لوجهه الكريم ، بمنه وكرمه .

ونحن ننتظر ما يرد من تمويهه وفساده ، لنبين مدارج زيغه وعناده ، ونجاهد
في الله حق جهاده ، والحمد لله رب العالمين .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــ
انتهت
الرسالة بنصها.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
رسالة شهاب الدين بن جهبل الشافعي في نفي الجهة1
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الاستبداد في الدين والسياسة
» أصول الدين عند العلويين
» أصول وفروع الدين عند العلويين
» أصول وفروع الدين مع الشرح
» هل يجوز تغيير الدين بالظاهر

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
موقع العقيدة العلوية النصيرية :: المنتديات الإسلاميــــة الدينيــة :: منتدى المقالات الدينية-
انتقل الى: