الأولى بالنبي

الأولى بالنبي
بسم الله الرحمن الرحيم
بسم الله الذي لا أرجو إلا فضله.. ولا أخشى إلا عدله... ولا أعتمد إلا قوله... ولا أتمسك إلا بحبله..... ولا نتبع إلا سنة نبيه عليه الصلاة والسلام وبعد:
من هو الأولى بالنبي والأنبياء .... هل من ينتمي إليه طيناً أم ديناً؟؟؟
وعلى هذا مدار البحث دون إبداء الرأي طالما هناك نصوص واضحة وعلى الله يتوكل المؤمنون.

قال الله تعالى في الكتاب العظيم والذكر الحكيم:
{ إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَ هذَا النَّبِيُّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا...}
وَ قَالَ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع) في نهج البلاغة:
إن أولى الناس بالأنبياء أعلمهم بما جاؤوا به ..ثم تلا: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِالْأَنْبِيَاءِ أَعْلَمُهُمْ بِمَا جَاءُوا بِهِ ثُمَّ تَلَا إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَ هذَا النَّبِيُّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا...} الْآيَةَ.
ثُمَّ قَالَ: إِنَّ وَلِيَّ مُحَمَّدٍ مَنْ أَطَاعَ اللَّهَ وَإِنْ بَعُدَتْ لُحْمَتُهُ، وَإِنَّ عَدُوَّ مُحَمَّدٍ مَنْ عَصَى اللَّهَ وَإِنْ قَرُبَتْ قَرَابَتُهُ.
وكذلك الأولى بالمسيح هو من فهم واقتدى بتعاليم المسيح(ع) التي في حقيقتها وجوهرها تتوافق مع تعاليم رسول الله محمد (ص)
ففي إنجيل متى الإصحاح الثالث قول المسيح (ع) لليهود:
وَلاَ تَفْتَكِرُوا أَنْ تَقُولُوا فِي أَنْفُسِكُمْ: لَنَا إِبْراهِيمُ أَبًا. لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ اللهَ قَادِرٌ أَنْ يُقِيمَ مِنْ هذِهِ الْحِجَارَةِ أَوْلاَدًا لإِبْراهِيمَ.
وفي إنجيل لوقا قول المسيح (ع) لليهود: يَا أَوْلاَدَ الأَفَاعِي، مَنْ أَرَاكُمْ أَنْ تَهْرُبُوا مِنَ الْغَضَبِ الآتِي؟ اصْنَعُوا أَثْمَارًا تَلِيقُ بِالتَّوْبَةِ. ولاَ تَبْتَدِئُوا تَقُولُونَ فِي أَنْفُسِكُمْ: لَنَا إِبْرَاهِيمُ أَبًا. لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ اللهَ قَادِرٌ أَنْ يُقِيمَ مِنْ هذِهِ الْحِجَارَةِ أَوْلاَدًا لإِبْرَاهِيمَ.
ويقول أمير المؤمنين (ع):
لعمرك ما الإنسان الا بدينــــــه **** فلا تترك التقوى اتكالا على النسب
فقد رفع الإسلام سلمان فارس **** وقد وضع الشرك الحسيب أبا لهب

ونحن عندما نقرأ الإنجيل بدقة فإننا نرى إشارت المسيح (ع) إلى سيدنا رسول الله(ص) فإنجيل برنابا يوجد فيه تصريح إلى سيد الكونين رسول الله محمد بن عبد الله (ص) .... وطبعاً قد يقال: إن إنجيل برنابا غير معترف عليه عند المسيحيين!!....
نقول كذلك الأناجيل الأربعة فيه إشارات لمجيء سيدنا رسول الله (ص) ... منها:
الإشارة الأولى
الذي أشار بها المسيح (ع) إلى نبينا محمد(ص)

كان الاختلاف بين اليهود على تحديد القبلة اختلافاً ثابتاً لا شك فيه , ونسيانهم للجبل المقدس الذي يجب أن يتوجوا إليه, نسيان مسطور في ما بين أيديهم من كتاب, قال أشعيا وهو يحذرهم بأن الرب قال لهم: (( أما أنتم الذين تركوا الرب و نسوا جبلاً قدسياً فإني أعينكم للسيف ))1.
و هذا النسيان ترى معالمه على التوراتين: السامرية و العبرية .
فبينما تقول التوراة السامرية : إن القبلة في اتجاه جبل جرزيم, تقول التوراة العبرانية : إنها في اتجاه جبل عيبال.
والمسيح (ع) شهد بوجود هذا الاختلاف في عهد بعثته, وبشرهم بأن العبادة لن تكون في المستقبل لا في اتجاه هذا الجبل ولا اتجاه أورشاليم(بيت المقدس) ، لأن الله سينزع من أيديهم القيادة ويسلمها إلى شعب آخر (2) .
وما ذكره المسيح (ع) بخصوص القبلة, جاء عندما كان متجهاً إلى أورشاليم(بيت المقدس) , فقالت له امرأة سامرية: (( يا سيدي , أرى أنك نبي , آباؤنا سجدوا في هذا الجبل, وأنتم تقولون : إن في أورشاليم الموضع الذي ينبغي أن يسجد فيه. فأجابها يسوع : صدقيني يا امرأة ستأتي الساعة التي فيها تعبدون الأب لا في هذا الجبل و لا في أورشاليم ))3

وعندما بعث الله نبينا محمداً رحمة للعالمين في مكة وبقي فيها ثلاثة عشر عاماً وهو يدعو الناس إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله... وكانت قبلة سيدنا منذ بعث إلى طول وجوده في مكة وحتى حين هاجر إلى يثرب والتي سميت بالمدينة المنورة وبطيبة وعند استقرار رسول الله في المدينة كانت اليهود تتفاخر على رسول الله(ص) بأنه تابع لهم كونه تابع لقبلتهم .... وغيرها من التفسيرات الأخرى التي لا تخرج في مضمونها عما ذكرناه.... نزلت الآيات الكريمة وفي المدينة المنورة بالذات التي تأمر الرسول بأن يصرف وجهه عن بيت المقدس ويتجه شطر المسجد الحرام كما قال تعالى: { سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (142) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (143) قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ(144) وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آَيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (145)}(البقرة)
إذا كان اليهود قسم منهم يسجد باتجاه جبل الزيتون....
والقسم الآخر مع المسيح (ع) يسجدون باتجاه بيت المقدس ......
فجاء نبينا محمد (ص) وصرف الاتجاه من بين المقدس إلى شطر المسجد الحرام .... حتى أن الرسول(ص) كان يصلي صلاة الظهر باتجاه بيت المقدس فنزلت الآيات وحياً على رسول الله(ص) بأن يصرف عن بيت المقدس إلى شطر المسجد الحرام.... وكان الرسول والمسلمون صلوا ركعتين باتجاه بيت المقدس والركعتين الأخيرتين باتجاه المسجد الحرام .... وسمي المسجد فيما بعد بمسجد القبلتين.......أي صلى رسول الله (ص) والمسلمون بهذا المسجد ركعتين باتجاه بيت المقدس وركعتين باتجاه الكعبة المشرفة (شطر المسجد الحرام)
وحيث أن المسيح قال صراحة لبني إسرائيل كما في قوله تعالى:{ وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْـمَـدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (6)}(الصف)
وهذا يؤكد أن المسيح أشار إلى رسول الله(ص) تلويحاً وتصريحاً كما في الآية الكريمة وكما ذكرناه في تغيير اتجاه القبلة.
أما صرف الاتجاه من بيت المقدس إلى المدينة المنورة كانت فيها حكم إلهية... حيث أن اليهود بعقليتهم ونفاقهم كاليهود في عهد المسيح (ع) فكانت للأسباب التالية:
1- جاءت لتؤكد مقولة المسيح للمرأة ((ستأتي الساعة التي فيها تعبدون الأب لا في هذا الجبل و لا في أورشاليم)) أي تصديقاً للمسيح (ع) ونبوته. كما أن الساعة التي قصدها المسيح(ع) هي ساعة مجيء رسول الله (ص) سيد الكونين....
2- جاءت رداً على اليهود الذين زعموا أنهم أحباء الله وأن محمداً رسول الله(ص) تابع لقبلتهم وبالتالي هو تابع لهم ..... فنزلت الآيات لتبين أن دعوة موسى كدعوة عيسى ودعوتهم كدعوة نبينا محمد (ص) وبالتالي لا فضل لليهود ونبيهم على المسلمين ونبيها .... بل سيدنا خاتم الأنبياء أفضلهم وأعلاهم شرفاً وإذ كنا لا نفرق بين أحد من رسله.
3- جاءت امتحاناً وحجة على اليهود والمسلمين ومعرفة مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ . حيث أظهرت حال من يتبع الرسول (ص) وحال ممن ينقلب على عقبيه، وإن كان صرف التوجّه عن بيت المقدس إلى الكعبة لأمراً عظيماً في النفوس إلا على الذين هدى الله قلوبهم ، فأيقنوا بتصديق الرسول وبأن كل ما جاء به حق.
4- بيان بأن الله يكلف عباده بما يشاء وينسخ ما يشاء ويفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.
5- أشارت الآية 45 إلى اختلاف اليهود أنفسهم أي بين العبرانيين والسامريين في جهة القبلة بقوله تعالى{ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ}
وأكتفي بهذه الأسباب فخير الكلام ما قلّ ودلّ ولا يطول فيملّ.....
باختصار نقول:
كان التوجه إلى بيت المقدس ثم صرف عنه إلى الكعبة امتحاناً لأهل الكتاب الذين علموا أن قيادة الدعوة الإلهية ستنتقل من بني إسرائيل إلى بني إسماعيل وعنوان هذه الدعوة النبي الخاتم سيدنا محمد (ص) وعلماء اليهود كانوا يعلمون بذلك بدليل قوله تعالى:{ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ}
إذا إشارة المسيح إلى نبينا محمد (ص) واضحة هنا بكل وضوح كالشمس في رابعة النهار......
والحمد لله على كل حال في البدء والمآل.....

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)- سفر أشعيا 11/65
(2) ـ إنجيل متى 21/ 42- 45
(3) – إنجيل يوحنا 4/22