روح المؤمن و روح الكافر
1ـ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (ع) وَهُوَ مَعَ أَصْحَابِهِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ لَهُ: أَنَا وَاللَّهِ أُحِبُّكَ وَأَتَوَلاَّكَ ، فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع): كَذَبْتَ، قَالَ: بَلَى وَاللَّهِ إِنِّي أُحِبُّكَ وَأَتَوَلاَّكَ، فَكَرَّرَ ثَلاثاً ، فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع): كَذَبْتَ مَا أَنْتَ كَمَا قُلْتَ، إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الأَرْوَاحَ قَبْلَ الأَبْدَانِ بِأَلْفَيْ عَامٍ ، ثُمَّ عَرَضَ عَلَيْنَا الْمُحِبَّ لَنَا فَوَ اللَّهِ مَا رَأَيْتُ رُوحَكَ فِيمَنْ عُرِضَ فَأَيْنَ كُنْتَ. فَسَكَتَ الرَّجُلُ عِنْدَ ذَلِكَ وَ لَمْ يُرَاجِعْهُ ([1])
......... أقول: هذا الحديث والكثير من أمثاله يبين أن الأرواح المؤمنة لَها وجود في عالم يمكن أن يطلق عليه عالم الأرواح أو عالم الروحانية أو النورانية، حيث لا وجود لأرواح الكافرين فيها. والدليل على ذلك الحديث التالي الوارد في نِهاية كتاب الهداية الكبرى للحسين بن حمدان الخصيبي نضّر الله وجهه:
2ـ قال المفضل يا مولاي: أوليس يقال أن إبليس من الملائكة، قال: بلى يا مفضل هو من الملائكة، لا الروحانية ولا النورانية، ولا سكان السماوات، ومعنى ملائكة هو اسم واحد فيصرف فهو ملك ومالك ومملوك هذا كله اسم واحد وكان من أملاك الأرض أما سمعت قول الله تعالى: { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ } ([2])
......... أتابع فأقول: هذا الحديث وأمثاله يبين أن أرواح المؤمنين كان لها وجود في عالم الأرواح النورانية، والكافر لا وجود له هناك، ولذلك قلنا أن الكافر ليس فيه روح ، حيث لا وجود للأبدان الطينية التي خلقت بعد الأرواح بألفي عام ولا ندري ألفي عام من أعوامنا هذه أم أعوام عالم الملائكة لأن اليوم عندهم خمسون ألف سنة مما تعدون .
ومن تأمل جيداً الآيات التي تتناول ذكر كل من الروح والنفس لا نرى آية واحدة تشير إلى مسؤولية الروح عمّا قدّمت أو أخّرت، بل كل المسؤولية تقع على النفس بِما عملت من خير أو شرّ أو قدّمت أو أخّرت لأنّ الروح الإيمانية تفارق الإنسان بِمجرّد اقترافه الفاحشة كما مرّ معنا سابقاً ، ولذلك نقول مجازاً من باب التقريب للفهم أنّ :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- (الكافي ج1ص438) (بحار الأنوار ج 25 ص14 ج26ص 118)(بصائرالدرجات )
2- الهداية الكبرى ص437
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النفس هي مجموع الأرواح الثلاثة روح القوة وروح الشهوة وروح البدن أو مجموع النفس النامية النباتية والنفس الحيوانية والنفس القدسية .
والروح : هي روح الإيمان وربما تضاف إليها روح القدس أو ربما هي الكلية الإلهية التي مبدأها من الله ومعادها إليه. وبِهذه الحالة الاستدلالية يمكن أن نقول:
الروح موجود في المؤمن فقط وفي الولي والوصي وفي النبي والرسول.
أمّا الكافر فلا يوجد فيه روح بل نفس. ولذلك لا يقع العذاب على الروح أبداً بل على النفس ، ولذلك كان الخطاب الإلهي أنّ العذاب واقع على الكافرين كما في قوله تعالى في سورة ياسين:{سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ}[1]
وكما قال تعالى:{ سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ}[2] وكذلك بيّن الله أنّهم لم يؤمنوا أول مرّة ولن يؤمنوا آخر مرّة
وكما في قوله تعالى:{ وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ}[3]
وكما قال تعالى:{ وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى قُلُوبِ الْكافِرِينَ } 4
وكما في قوله تعالى:{ وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلاَّ مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ}5 أي لن يؤمن إلا من قد آمن من قبل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- سورة يس 10 2- المنافقون 6 3- الانعام1 10 4 - الاعراف 101 5 - هود 36
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من أين خلقت روح المؤمن وروح الكافر
1- عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) قَالَ: إِنَّ اللَّهَ خَلَقَنَا مِنْ عِلِّيِّينَ ، وَخَلَقَ أَرْوَاحَنَا مِنْ فَوْقِ ذَلِكَ، وَخَلَقَ أَرْوَاحَ شِيعَتِنَا مِنْ عِلِّيِّينَ، وَخَلَقَ أَجْسَادَهُمْ مِنْ دُونِ ذَلِكَ، فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ الْقَرَابَةُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ وَقُلُوبُهُمْ تَحِنُّ إِلَيْنَا.([1])
2- عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (ع) يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ خَلَقَنَا مِنْ أَعْلَى عِلِّيِّينَ ، وَخَلَقَ قُلُوبَ شِيعَتِنَا مِمَّا خَلَقَنَا ، وَخَلَقَ أَبْدَانَهُمْ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَقُلُوبُهُمْ تَهْوِي إِلَيْنَا ، لأَنَّهَا خُلِقَتْ مِمَّا خُلِقْنَا ، ثُمَّ تَلا هَذِهِ الآيَةَ { كَلاّ إِنَّ كِتابَ الأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ كِتابٌ مَرْقُومٌ يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ} وَخَلَقَ عَدُوَّنَا مِنْ سِجِّينٍ وَخَلَقَ قُلُوبَ شِيعَتِهِمْ مِمَّا خَلَقَهُمْ مِنْهُ وَأَبْدَانَهُمْ مِنْ دُونِ ذَلِكَ ، فَقُلُوبُهُمْ تَهْوِي إِلَيْهِمْ ، لأَنَّهَا خُلِقَتْ مِمَّا خُلِقُوا مِنْهُ ، ثُمَّ تَلا هَذِهِ الآيَةَ: {كَلاّ إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ كِتابٌ مَرْقُومٌ} ([2]).
ما هي علاقة الروح والبدن ؟
1- عن محمد بن سنان عن المفضل عن أبي عبد الله (ع) قال: مثل روح المؤمن وبدنه كجوهرة في صندوق إذا أخرجت الجوهرة منه طرح الصندوق ولَم يعبأ به. ([3])
2- وعن أبي عبد الله (ع) قال: إن الأرواح لا تُمازج البدن ولا تواكله وإنّما هي كلل للبدن محيطة به .(3)
__________________________________________________
1- الكافي ج1ص389ح1 ؛ علل الشرائع ج1ص117 ح15 ؛ بحار الأنوار ج25 ص 12 ح 24
2- الكافي ج1 ص 390 حديث 4 ، ج2 ص 43 ح 20 ؛ بصائر الدرجات ص15 حديث 3
بحار الأنوار ج25 ص 9 ح 14 ، ج 58 ص 43 ح20
3- منتخب البصائر ـ بحار الأنوار ج58 ص 40 ح11
(منقول عن الأستاذ سميع حسن)