أُصول الدين
وتعرف أيضاً بــ الفقه الأكبر وهو: مجموعة العقائد والمفاهيم النظرية والفكرية حول الخالق وأسمائه وصفاته وأفعاله ومن أهم العلماء الإلهيين الذي تكلّموا حول منظومة العقائد تحت اسم أصول الدين: أبو محمد الحسن بن علي بن شعبة الحراني العراقي الكوفي في كتابه (حقائق أسرار الدين) .
إن معرفة أصول الدين واجبة على كل إنسان ولا يجوز التقليد فيها , لاعن تقليد أعمى للآباء والمجتمع , أو استسلاماً للظنون والأوهام .
وقد أشار القرآن العظيم إلى ضرورة البرهان العلمي ووجوبه في كل أمر عندما طالب صاحب كل دعوى بالدليل (قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) بينما ذمّ القرآن العزيز أولئك الذين يفتقرون في دعواهم إلى الدليل العلمي وتراهم ركنوا إلى أوهامهم وهم يعتقدون أنهم يحسنون صنعاً (وما يتبع أكثرهم إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئاً ) .
وأصول الدين في الإسلام عشرة مستقاة من الكتاب العزيز والسنة المطهرة وهي:
1-معرفة الله :
وهي أساس الدين وأصله , وهي أول الواجبات والمفترضات على الخالق لقوله – تعالى – ((وما خلقت الإنس والجن إلاّ ليعبدون)) أي ليعرفوني لأن العبارة الصحيحة لا تتم إلا بعد المعرفة وجاء في الحديث القدسي (( كنت كنزا مخفياً فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لكي أعرف فبي عرفوني))
وقال أمير المؤمنين كما في (نهج البلاغة) : (( أول الدين معرفته)) أي معرفة الله وقال في دعائه (( يا من دلّ على ذاته بذاته وتنزه عن مجانسة مخلوقاته) وشرط هذا الأصل هو الولاء لله ولأوليائه.
ومدار البحث في المعرفة الإلهية هو أن تعرف الله في جميع ظهوراته أي (تجلياته كما جاء في القرآن الكريم) قال -عزّ عزّه-
(سنريهم آياتنا في الأفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحقّ أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد).
والخلاصة أن معرفة الله هي الأصل والتوحيد فرع من فروعه وثمرة من ثماره بحيث لا يصحّ التوحيد إلا بعد حصول المعرفة إذ كيف لك أن تقول (لا إله إلا الله) وأنت لم تعرف الله بعد ؟!
2-معرفة الوليّ:
أي الرسول المصطفى وأهل بيته الأطهار – صلوات الله عليهم- حيث يجتمع تحت سقف هذه المرتبة كل من ( النبوة والرسالة والإمامة) ولهذا قال سيدنا محمد – ص وآله- ((أولنا محمد وآخرنا محمد وأوسطنا محمد وكلنا محمد))
3-معرفة ولي الولي:
أي باب الرحمة والهدى والإيمان –باب مدينة العلم والحكمة الذي قال في حقه رسول الله :
((أنا مدينة العلم وعليُّ بابها فمن أراد العلم فليأت الباب )) ومعنى عليُ بابها : أي عالٍ بابها لا يتوصل إليه إلا بالجهاد العلمي الصادق , وهو في زمان سيدنا محمد المصطفى =(سلمان المحمدي الفارسي) – ع – ومن هنا صار سلمان من أهل البيت كما في الحديث الشريف ((سلمان منّا –أهل البيت-)).
4-معرفة إبليس:
فهو رمز العصيان والخطايا والوسواس والفساد والضلال – لع – وفي كتاب الله آيات كثيرة تدل على ذلك . منها (( أنا خيرٌ منه خلقتني من نار وخلقته من طين )) إذ تتكلم الآية عن عنصر إبليس الذي رفض الأمر الإلهي في السجّود لآدم – صلوات الله عليه- وشرط هذا الأصل هو البراء من إبليس وحزبه.
5-معرفة قِوام القِسْط:
أساسه الإيمان بأن خالق الكون وصانعه حكيم , وحكمته مطلقة .
قال سبحانه موضحاً أهمية هذا الأصل ومؤكداً على أصالته في العقيدة الإسلامية ( شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائماً بالقسطِ... لا إله إلا هو العزيز الحكيم) .
فالقسطُ لا يقوم إلا على الحكمة , والحكمة هي الإيمان في الفعل والحكيم هو المتقن فعله وعليه فإن الصانع الحكيم ينزه عن فعل ما لا ينبغي فعله في العقل وعند العقلاء , وهذا الأصل هو جوهر الإيمان بالقضاء والقدر .
والخلاصة في هذه المسألة أن الحكمة شجرة والقسط ثمرة من ثمارها المباركة : وعليه فإن قوام القسط يرجع إلى الكتاب و الميزان قال سبحانه في سورة الحديد ( لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط)
6-معرفة الأشخاص الذين أقيموا في ضياء القدس :
وهم عالم الملائكة الكرام الذين يعرفون في المدرسة العرفانية ب ( العالم الكبير النوراني والعالم الصغير الروحاني) الذي قال الله في حقهم ( وما منا إلا له مقام معلوم وإنا لنحن الصافون وإنا لنحن المسبحون) ومدحهم سبحانه في قوله ( بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون)
7-قبول المسلم لعلم الله والتصديق لرسله :
قال تعالى ( آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كلُ آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله ,وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير)
وقال سبحانه ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم .فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا)
وقال جل جلاله( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكمون فيما شجر بينهم ثم لا يجدون في أنفسهم حرجاً ممّا قضيت ويسلّموا تسليماً)
وهذا الأصل هو جوهر الإيمان بكتاب الله وسنة رسوله –ص وآله- والعمل بمقتضاها على مستوى العقائد والشرائع.
8-تعظيم المسلم لأهل المعرفة بالله :
على قدر قرب المؤمن من الله ومعرفته به يكون تعظيمه لأهل طاعته ومن لم يعظم المؤمنين فليس منهم . قال رسول الله ((فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم)) وشعار هذا الأصل وقانونه هو ( الحب في الله والبغض في الله).
9-المساواة بين المؤمن وأخيه المؤمن في الدين والدنيا:
وهذه هي المؤاخاة التي أنشأها الرسول الأكرم –علينا سلامه- بين المسلمين في مكة المكرمة وكذلك صنعها مرة أخرة في المدينة المنورة فآخى بين المهاجرين والأنصار.
وهذه الأخوة تقوم على الإيمان وليس على النسب الطينيّ باعتباره أن الإسلام يفضل أخوة الدين على أخوة الجسد ألا ترى إلى نوح –منه السلام وإليه التسليم- كيف تبرأ من ولده الطيني عندما أصر على الكفر وعبّر عن ذلك برفضه الركوب في سفينة النجاة. وقد قصّ الله –سبحانه- حكايته في الكتاب العزيز فقال عزّ من قائل ((ونادى نوح ربّه فقال ربّ إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين)) بينما نجد سيدنا سلمان الفارسي –عليه السلام- ينتسب إلى آل محمد –ص- بالإيمان والولاء وقد بيّن المصطفى – ص وآله- ذلك بقوله الشريف المشهور ((سلمان منًا أهل البيت )) ومن هذه اللحظة يعرف ب سلمان المحمديّ.
10-كتمان سر الله وستره إلا عن أهله :
وهذا ما أراده مولانا العالم –منه السلام- بقوله الشريف :[1]
((التقية ديني ودين أبائي وأجدادي , ومن لا تقية له لا دين له)) وقد مدح الصادق –ع- المؤمنين الذين تابعوا أئمتهم المعصومون في الإلتزام بهذا النهج فقال: (( إن أحب أصحابي إلي أورعُهم وأفقههم وأكتمهم لحديثنا))
ونبه الصادق – علينا سلامه- أيضاً على شرف التقية وأهميتها بقوله ( إن أهل الكهف كتموا الإيمان وأظهروا الكفر فكانوا في إظهارهم الكفر أعظم منهم أجراً في كتمانهم الإيمان فآتاهم الله أجرهم مرتين ) ثم بيّن منزلة شيعتهم – شيعة الحق- بين الناس في قوله النوراني ((مثل شيعتنا كمثل أهل الكهف أذاعوا الكفر واستبطنوا الإيمان , فإذا كان يوم القيامة حشرهم الله أمة بذاتهم , أما سمعت قوله تعالى حكاية عن يعقوب علينا سلامه في قوله [يا بنيّ لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيداً إن الشيطان للإنسان عدوُ مبين] ))يعني : إلزم التقية.[2]
وهذا الأصل الشريف هو القانون الذي عمل بمقتضاه رسول الله – ص وآله- في نشر الدعوة الإسلامية في المرحة السريّة حيث كان يدعو الناس إلى معرفة الله والإيمان به وتوحيده سراً ..وذلك قبل أن يأذن الله له بالجهر بالدعوة وهذا أمر معلوم من السيرة النبوية العطرة.[3]
وقد التزم هذا المبدأ الأصيل كل الأنبياء والرسّل في مرحلة معينة من مراحل حياتهم وذلك من لدن آدم المصطفى إلى محمد المصطفى -عليهم السلام جميعاً- ويمكن للمسلم أن يلجأ إلى هذا القانون فيعمل بموجبه كلما توفرت الظروف إلاجتماعية التي تدعو إلى ذلك.
واعلم أن بعض العرفاء الإلهيين قد سمى هذه الأصول ب (شروط الإيمان) حيث استقاها من معين[4] كلمة أمير المؤمنين الواردة في كتاب (غُرر الحكم) يقول فيها: (( إن ل [ لا إله إلا الله] شروطاً , وإني وذريتي من شروطها انا قسيم الجنة والنار وخازن الجنان وصاحب الحوض وصاحب الأعراف وليس منا – أهل البيت- إمام إلا وهو عارف بأهل ولايته) ووجه تسميتها شروطاً إن صحة الإيمان مشروطة بوجود هذه الأصول.
ولا يخفى عليك أن رب العزة –سبحانه- قد نص على هذه المبادىء والأسس في الحديث القدسي الذي رواه العالم – ع – كما جاء في كتاب التمحيص فقال: ((قال الله عز وجل افترضت على عبادي عشرة فرائض إذا عرفوها أسكنتهم ملكوتي وأبحتهم جناتي , أولها : معرفتي , والثانية : معرفة رسولي إلى خلقي )) [5]
[1] كتاب (بداية المعرفة) للأستاذ العلامة حسن مكي العاملي + كتاب (أصول العقيدة بين المعتزلة والشيعة الإمامية) للدكتورة الباحثة عائشة يوسف المناعي + رسالة (تزكية النفس في معرفة بواطن العبادات الخمس) أمير العارفين المكزون السنجاري.
[2] الرسالة المصرية – تأليف عصمة الدولة أبي عبدالله محمد بن معز الدولة المصريّ – مخطوط خاص-
[3] السيرة النبوية –ابن هشام- تقديم وتعليق طه عبد الرؤوف – مؤسسة نبع الفكر العربي بمصر.
[4] ينابيع المودة –العلامة الشيخ سليمان الحنفي القندوزي- الجزء الثالث نقلاً عن كتاب (غرر الحكم) عبد الواحد الآمدّي.
[5] كتب (التمحيص) ثأليف الشيخ الثقة أبي محمد الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحراني.