بسم الله الرحمن الرحيم
الصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وآله الطيين الطاهرين والبراءة من أعدائهم والمنافقين أجمعين
يصف أمير المؤمنين علي أميرنا وإمامنا المؤمنين
وَ مَا بَرِحَ للَّهِ ، عَزَّتْ آلاَؤُهُ ، فِي الْبُرْهَةِ بَعْدَ الْبُرْهَةِ ، وَ في أَزْمَانِ الْفَتَرَاتِ ، عِبَادٌ نَاجَاهُمْ في فِكْرِهِمْ ،
وَ كَلَّمَهُمْ في ذَاتِ عُقُولِهِمْ ، فَاسْتَصْبَحُوا بِنُورِ يَقْظَةٍ فِي الأَبْصَارِ وَ الأَسْمَاعِ وَ الأَفْئِدَةِ .
يُذَكِّرُونَ بِأَيَّامِ اللَّهِ ، وَ يُخَوِّفُونَ مَقَامَهُ ، بِمَنْزِلَةِ الأَدِلَّةِ فِي الْفَلَوَاتِ .
مَنْ أَخَذَ الْقَصْدَ حَمِدُوا إِلَيْهِ طَريقَهُ وَ بَشَّرُوهُ بِالنَّجَاةِ ، وَ مَنْ أَخَذَ يَميناً وَ شِمَالاً ذَمُّوا إِلَيْهِ الطَّريقَ وَ حَذَّرُوهُ مِنَ الْهَلَكَةِ . وَ كَانُوا كَذَلِكَ مَصَابيحَ تِلْكَ الظُّلُمَاتِ ، وَ أَدِلَّةَ تِلْكَ الشُّبُهَاتِ .
وَ إِنَّ لِلذِّكْرِ لأَهْلاً أَخَذُوهُ مِنَ الدُّنْيَا بَدَلاً ، فَلَمْ تَشْغَلْهُمْ تِجَارَةٌ وَ لاَ بَيْعٌ عَنْهُ ، يَقْطَعُونَ بِهِ أَيَّامَ الْحَيَاةِ ، وَ يَهْتِفُونَ بِالزَّوَاجِرِ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ في أَسْمَاعِ الْغَافِلينَ ، وَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ وَ يَأْتَمِرُونَ بِهِ ،
وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ يَتَنَاهَوْنَ عَنْهُ .
فَكَأَنَّمَا قَطَعُوا الدُّنْيَا إِلَى الآخِرَةِ وَ هُمْ فيهَا ، فَشَاهَدُوا مَا وَرَاءَ ذَلِكَ ، وَ كَأَنَّمَا اطَّلَعُوا غُيُوبَ أَهْلِ الْبَرْزَخِ في طُولِ الاِقَامَةِ فيهِ ، وَ حَقَّقَتِ الْقِيَامَةُ عَلَيْهِمْ عِدَاتِهَا ، فَكَشَفُوا غِطَاءَ ذَلِكَ لأَهْلِ الدُّنْيَا ،
حَتَّى كَأَنَّهُمْ يَرَوْنَ مَا لاَ يَرَى النَّاسُ ، وَ يَسْمَعُونَ مَا لاَ يَسْمَعُونَ .
فَلَوْ مَثَّلْتَهُمْ لِعَقْلِكَ في مَقَاوِمِهِمُ الْمَحْمُودَةِ ، وَ مَجَالِسِهِمُ الْمَشْهُودَةِ ، وَ قَدْ نَشَرُوا دَوَاوينَ أَعْمَالِهِمْ ، وَ فَرَغُوا لِمُحَاسَبَةِ أَنْفُسِهِمْ ، عَلى كُلِّ صَغيرَةٍ وَ كَبيرَةٍ أُمِرُوا بِهَا فَقَصَّرُوا عَنْهَا ، أَوْ نُهُوا عَنْهَا فَفَرَّطُوا فيهَا ، وَ حَمَّلُوا ثِقْلَ أَوْزَارِهِمْ ظُهُورَهُمْ ، فَضَعُفُوا عَنِ الاِسْتِقْلاَلِ بِهَا ، فَنَشَجُوا نَشيبجاً .
وَ تَجَاوَبُوا نَحيباً ، يَعِجُّونَ إِلى رَبِّهِمْ مِنْ مَقَامِ نَدَمٍ وَ اعْتِرَافٍ عَجيجاً ، لَرَأَيْتَ أَعْلاَمَ هُدىً ،
وَ مَصَابيحَ دُجَىً .
قَدْ حَفَّتْ بِهِمُ الْمَلاَئِكَةُ ، وَ تَنَزَّلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكينَةُ ، وَ فُتِحَتْ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ ، وَ أُعِدَّتْ لَهُمْ مَقَاعِدُ الْكَرَامَاتِ ، في مَقْعَدٍ اطَّلَعَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فيهِ فَرَضِيَ سَعْيَهُمْ ، وَ حَمِدَ مَقَامَهُمْ ، يَتَنَسَّمُونَ بِدُعَائِهِ رَوْحَ التَّجَاوُزِ ، رَهَائِنُ فَاقَةٍ إِلى فَضْلِهِ ، وَ أُسَارى ذِلَّةٍ لِعَظَمَتِهِ .
جَرَحَ طُولُ الأَسى قُلُوبَهُمْ ، وَ طُولُ الْبُكَاءِ عُيُونَهُمْ .
لِكُلِّ بَابِ رَغْبَةٍ إِلَى اللَّهِ مِنْهُمْ يَدٌ قَارِعَةٌ ، يَسْأَلُونَ مَنْ لاَ تَضيقُ لَدَيْهِ الْمَنَادِحُ ، وَ لاَ يَخيبُ عَلَيْهِ الرَّاغِبُونَ .